٣ - وفي هذه المرحلة نلاحظ شيئاً من التحول في جهة النسب العربي، فصار كثير من الجماعات العربية يفضلون الوقوف بأنسابهم عند النبي (وآله، أو الخلفاء الراشدين، أو الصحابة بوجه عام. وظهر ذلك بصورة أوضح، في أنساب القرشيين، فانتمت جماعات منهم إلى أبي بكر وعمر وعثمان والزبير والطالبيين الخ ... وأخذ لفظ " الشريف " يتسع في مفهومه أو يضيق تبعاً لاختلاف الظروف على مر الأجيال والعصور، فكان شريفاً " كل من كان من أهل البيت سواء أكان حسنياً أم علوياً، من ذرية محمد بن الحنفية وغيره من أولاد علي بن أبي طالب، أم جعفرياً أم عقيلياً، أم عباسياً ". ونتج عن ذلك الاتجاه في النسب إلى آل البيت أن أصبح لذوي الأنساب في العصر العباسي نقابة خاصة بهم، وأصبح لهم نقيب اسمه نقيب ذوي الأنساب، أو نقيب الأشراف أو نقيب بني هاشم العباسيين والطالبيين. وظل العباسيون والطالبيون خاضعين لنقيب واحد حتى القرن الرابع الهجري، وفي آخر هذا القرن صار لكل فريق منهما نقيب خاص في بغداد. فلما ولى الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين. وصعد نجم العلويين على حين بدأ أمر العباسيين في الضعف. وصار للأشراف في مصر في أيام الفاطميين نقيب خاص. أما أبناء الخلفاء الثلاثة الراشدين - أبي بكر وعمر وعثمان - فقد اندرجوا تحت لواء الأشراف في عصور متأخرة، ونجد اليوم أبناء أبي بكر وعمر إلى جانب أبناء النبي (هم الذين يتألف منهم الأشراف بمصر، ونجد البكريين منهم بنوع خاص، ويسمون الصديقين، يتولون منذ أوائل القرن التاسع عشر مناصب روحية تعود عليهم بالخير الوفير. ولا شك أن هذه النقابات قد حفظت أنساب هذه الجماعات القرشية من الضياع فقد كانت صيانتها من صميم عملها. غير أن مرحلة الأحلاف كان لها تأثير ما - بطريق مباشر أو غير مباشر - في تعريض بعض الأنساب غير القرشية للضياع والنسيان. ذلك أن ارتباط الجماعات العربية، واندماجها بالحلف أو المجاورة أو المصاهرة، وتبعية الجماعة الصغيرة للجماعة الكبرى، كل ذلك قد أدى إلى إغفال بعض أنساب هؤلاء جملة وتفصيلا. والأمثلة كثيرة أوردها المقريزي في " البيان "، وعقد لها السويدي في كتابه " سبائك الذهب " باباً