والقراءة ولم يزل على احسن سيرة إلى أن توفي في سلخ شهر ربيع الأول من السنة المذكورة فحضر دفنه خلق كثير لا يكادون يحصرون منهم الفقيه عمر بن سعيد العقيبي والشيخ علي صاحب المقداحة. وكان دفن الأديب سعيد في آخر النهار في قرية يقال لها الفراوي بفتح الفاء فبات أكثر الناس في القرية. وكان أهل بيته فقراء لا يملكون شيئاً فاتاهم من الجيران توزة فيها لوح وقدرة فيها زوم. وكان الفقيه عمر بن سعيد والشيخ علي صاحب المقداحة ممن أمسى هنالك تلك الليلة فتقلد أحدهما بكفاية الناس من ذلك اللحوح وتكفل الآخر بكفايتهم من ذلك الزوم. فقام أحدهما على إِناءِ اللحوح والآخر على إِناءِ الزوم ولم يزالا يطعمان الناس حتى صدروا كلهم عن كفايتهم والله أعلم.
وفي هذه السنة توفي القاضي أبو عبد الله محمد بن اسعد بن عبد الله ابن سعيد المقري المذحجي العسني بنون بعد العين والسين. وكان فقيهاً عارفاً بالفروع والأصول ولهُ في كل منهما تصنيف مفيد. وولي قضاء عدن برهة من الدهر. وكان موصوفاً بالورع وجودة الفقه غواصاً على دقائقه عاملاً به.
قال الجندي سمعت شيخي أبا العباس أحمد بن علي الحراذي يذكر هذا الرجل ويثني عليه ثناءً بليغاً. وكان ممن أدركه وقرأ عليه وأخبرني أنه كان يعجبه الاختلاط بالفقهاءِ والمواصلة لهم. وكان مدرس عدن والمعيد بها والطلبة يصلون بكرة كل يوم إلى بابه ويحضرون مجلسه فيلقاهم بالبشر والإكرام. فإذا اطمأَن بهم المجلس جعل يلقي عليهم المسائل من الكتب التي يتعانون قراءَتها فمن وجده ذاكراً شكره ووعده بالخير وحثه على الاجتهاد. وكان ذا مكارم أخلاق وكرم طباع قل ما قصده أحد إلا أنحفهُ بما يليق بحاله. وكان كثير الصدقة متنزهاً عما يتهم به كثير من الحكام وكان كثير الصدقة على الفقراءِ والمساكين في كل يوم بدينار خبز. وكانت وفاته في عدن يوم الثلاثاء لاثني عشرة ليلة بقيت من صفر من السنة المذكورة وقبره في القطيع رحمه الله.