وتزوج بنت شيخه علي بن قاسم الحكمي وحاز مسجد الأشاعر على أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنهُ وأقام يدرس فيه وإذا دخل وقت الصلاة يأمر المؤذن بالأذان ثم يبادر إلى أداء الصلاة في أول وقتها فتعب من ذلك أصحاب الإمام أبي حنيفة وكان لا يكاد يوجد لا مدرساً لعلم أو مقبلاً على صلاة وكان غالب تدريسه في مسجد الأشاعر وتارة في المسجد الذي عند بيته وهو المسجد المعروف بمسجد الأمير فخر الدين في حافة الخبازين شرقي الموضع المعروف بالمدرك ولم يزل هذا دابه برهة من الزمان فلما كان ذات يوم من الأيام استدعى بأخيه أبي الخير بن أبي بكر الحطاب الذي هو جد بني الحطاب الموجودين في قرية النويدرة فقال لهُ يا أخي أني رأيت البارحة ربي تعالى فقال لي يا محمد أنا أحبك فقلت يا رب من أحببته ابتليتهُ فقال لي استعد للبلاء وأنت يا أخي فكن على أهبة من أمري. ثم أنه خرج في يومه ذلك إلى مسجد إلا شاعر بزيد فصلى فيه العصر مع الجماعة ثم رجع إلى بيته مسرعاً فلما صار في أثناء الطريق غشي عليه فمرَّ به الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي وهو في تلك الحال فأكبَّ عليه وقبله بين عينيه وقال أهلاً بك يا محبوب ثم حمل إلى بيته وكان ذلك وهو ابن خمس وعشرين سنة وكانت زوجته بنت شيخة الفقيه علي بن قاسم الحكمي ففسخ عليه نكاحها واشترى له من ماله جارية وخطبت زوجته فقالت لا أريد به بدلاً حياً ولا ميتاً فكانت الجارية تخدمه وتقوم بحاله وتحفظهُ في ساعة غفلاته ووطئها فولدت له ابنتين عاشت إحداهما إلى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. وكان من أكثر الناس حفظاً للآثار والأخبار والأشعار وكان الطلبة من أهل عصره وأصحابه يقرؤون عليه في الأوقات التي يكون فيها معافاً وكان يقول شعراً حسناً.
قال الجندي اخبرني والدي يوسف بن يعقوب قال كنت أحب هذا الفقه على ما أسمع عنهُ واكره أن أراهُ وهو على ما بلغني عنهُ من الحال فجاءَني بعض الأصحاب يوماً وقال لي أريد أن تذهب معي إلى الفقيه محمد بن الحطاب لأسّلِمِ عليه وكان الرجل يصحبه أيضاً فرافقتهُ وسرت معهُ إليه فلما دخلنا عليه سلمنا فرد علينا السلام