شمس الدين علي بن يحيى العسني فأدركتهُ عليه شفقة. وكان بصحبة فدخل عليه يوماً زائراً له مع جماعة من الفقهاءِ وكان قد أعلم بحاله فلما أراد الناس الخروج من مجلس الأمير استوقفه الأمير فلما خلى المكان قال له يا فقيه بلغنا عنك انك كثير التفريط لما في يديك وأنت فقيه ودخلك قليل من وجه حلال وما خَرَجَ عنك لا يكاد يقع لك عوضه إلا بمشقةٍ وأظنك تريد الاقتداءَ بنا ولا ينبغي لك ذلك لانَّا نحن محصولنا كثير من غير كلفة يسهل علينا خروجه كما يسهل علينا دخوله ثم وبخه على فعله وحذره من مرارة الفقر والفقيه ساكت مطرق ثم قال لهُ أحب أن تعاهدني انك لا عدت إلى شيءٍ من هذا فقال له الفقيه استخير الله الليلة وآتيك غداً أن شاءَ الله بما قويت عليه عزيمتي. أربعين فلما كان تلك الليلة صلى صلاة العشاء ثم صلى صلاة الاستخارة ونام فرأَى قائلاً يقول لهُ يا فقيه أحمد انفق فانك ممن وُقي شح نفسه فلما أصبح غدا إلى الأمير فأخبره بمنامهِ وما قيل لهُ وأنه باقٍ على ذلك الأمر فبكى الأمير وقال في أَي صورةٍ ما شاءَ رَكَّبكَ ولم يزل على حالهِ إلى أن توفي في السنة المذكورة تقريباً كما قال الجندي.
وفيها توفي القاضي الأجل الصالح عيسى بن الفقيه علي بن الفقيه محمد ابن أبي بكر بن مُفَلَّت بضم الميم وفتح الفاءِ واللام المشددة وآخرهُ تاءً مثناة من فوقها. وكان فقيهاً ورعاً دينّاً عفيفاً وهو أحد من تعُدُّه الفقهاء من حفظة المهذب وولاة القاضي أبو بكر بن أحمد قضاء الجند فأقام بها قاضياً خمساً وأربعين سنة لم يذكر عنه ما يذكر عن غيره من نقص الحكام. ولما أَراد السلطان الملك المظفر زواج الحَّرة مريم ابنة الشيخ العفيف استدعاه فلم يعقد له حتى استكمل شرائط العقد ولم يتساهل في شيءٍ من ذلك. فاعجب السلطان بذلك وقال لو كان متساهلاً في شيءٍ من حكمه لتساهل معنا. فكان عندهُ معظماً وكانت جامكيته من جزية اليهود في الجند وهي خمسة عشر ديناراً. وكان كثيراً ما يُدان ولا يدان من أهل الجند تورعاً وكان لهُ أرض قريبة من الجند وارض ببلده ثابتة منها ما يقوم بكفايته وكان الغالب على حاله المسكنة والضعف. وتوفي مديوناً نحواً من ستمائة دينار وكان عمرهُ أكثر من مائة سنة لم يتغير