كانوا فإِنهم مهزومون فلم يقبل منهُ الشعبي ما قال بل قام من عندهِ وجمع عسكرهُ وأَخذوا عدتهم وجعلوا طريقهم على باب خيمة السلطان. فأَرسل السلطان إليه أن يقف فلم يفعل بل سار في عسكره نحوهم. فنهض حينئذ السلطان وأَمر العسكر بالركوب وسار نحو أُفق فأَقبل علم الدين الشعبي فقصد الأَكمة التي فيها الأمير داود بن الإمام ثم أَبلت العساكر يتلو بعضها بعضاً ثم أَطل السلطان على الجبل الأسود في شرذمة من عساكرهِ وجنودهِ فكأنما اشتمل الجبل بثوبٍ ابيض غطى جوانبهُ كلها. ولما قصد الأمير علم الدين الأضكمة بعسكرهِ انهزمت الأشراف وحصلت العساكر على الغنيمة العظيمة ونجا الأمير صارم الدين داود بن الإمام وكافة الحمزيين بعد مشقة شديدة ثم أَحاطت العساكر المنصورة بالإمام في الحصن فأَسروه وقتلوا طائفةً ممن كان معهُ منهم الأمير أحمد بن محمد بن حاتم ووزير الإمام القاضي ابن أبي النجم وتمزَّق الشرفاءُ في تلك الأودية وتركوا محطتهم بما فيها ونزلوا عن خيولهم وتركوها قياماً تضطرب في أَرسانها ووصل العسكر بالإمام وسائر الأسرى إلى السلطان فلما وصل الإمام إلى السلطان وهو مكشوف الرأُس سلم وهنأ بالظفر فهنأَه السلطان بالسلامة وأَكرمهُ وآنسهُ وأَمر بستر رأْسهِ. وكان قد همَّ بهِ جماعة من المماليك فزجرهم السلطان وشتمهم واركبهُ بغلةً فكان يسير بينهُ وبين الصاحب بهاء الدين حتى دخل بهِ حصن تعز فأَودعهُ دار الأّدب. فلم يزل بهِ معزَّزاً مكرَّماً يحمل إليه في كل يوم عشرة دنانير ملكية والطعام بكرة وعشية والكسوة لهُ ولمن معه من حريمٍ وخدمٍ بقدر كفايتهم. فقال لقد كان لنا في سلم السلطان غنيً عن حربهِ وكتب عَلَى باب مجلسهِ.
هذي منازل سادةٍ أجواد ... ومحلُّ جودٍ شاملٍ وأياد
قصر الخورنق والسدير مقصر ... عنهُ وذو الشرفات من سنداد
ولم يزل على الإعزاز والإكرام في مجلسهِ إلى أن توفي في التاريخ الذي يأتي ذكرهُ أن شاءَ الله تعالى وفي هذه الواقعة يقول القسم بن علي بن هُتيْملٍ يمدح السلطان الملك المظفر
بوَّأت حزب الله دار قرار ... وأَحلَّ حزب الله دارَ بوار