وستمائة وتفقه في بداءته بابن يعيش وبعبد الله بن عبد الرحمن وأخذ درجة الفتوى بعدهما وارتحل إلى عدة من الأماكن في طلب العلم. وكان رجلاً صالحاً فاضلاً مبارك التدريس خرج من أصحابه ثلاثة نفر تفقه بهم خلق كثير وأجمع الناس على صلاحهم وعملهم وحسن فقههم وربما قدمهم الناس عليه وهم صالح بن عمرو وعبد الله الحساني وأبو بكر بن العزاف فكان يفتخر بهم ويقول ليس لأحدٍ من أهل العصر مثل هؤلاء الثلاثة. أما ابن العزاف فمتقن للفقه وأما صالح فمتقن للفرائض وأما الحساني فهو الفاضل بعدهما. وكانت وفاتهُ بذي السعال في السنة المذكورة رحمهُ الله تعالى.
وفي سنة ثمان وسبعين كان فتح مدينة ظفار الحبوضي وقتل صاحبها سالم بن إدريس وقتل معه يومئذ نحو من ثلاثمائة رجل وأسر خلق كثير. وكن السبب في ذك حدوث مجاعة عظيمة وقحط شام وقع في بلد حضرموت. فما قبل صاحبها إلى سالم بن إدريس وطالبوا منه ما يدفعون به كل تلك السنة عنهم وسلموا إليه مصانع حضرموت وحسنوا له ذلك ورغبوا له في فأجابهم إلى ما طلبوا وخرج معهم إلى حضرموت لثمام ما قد شرعوا فيه وهو أمر لم يسبقه إليه أحد من آبائه ولم يعلم دهاهم ولا مكرهم. فلما أخذوا منه جميع ما طلبوا سلموا إليه المصانع فقبضها وعاد إلى ظفار. ورأى أنه قد أفلح وأنجح. وإن حضرموت قد صارت تحت يده وفي قبضته. فلما رجع إلى ظفار مال أهل حضرموت ميلةً واحدةً إلى مصانعهم فأخذوها طوعاً وكرهاً ولم يكن دونها حائل يحول بينهم وبينها فأصبح لأمال ولا بلد وكاد يهلك أسفاً على تضييع أمواله في غير مواضعها فاتفق من القضاء المبرم أن مولانا السلطان الملك المظفر رحمه الله عليه ندب سفيراً إلى ملوك فارس بهدية جيدة وصحبته جماعة من التجار فصرفتهم الريح ورمت بهم إلى ساحل ظفار فقبضهم سالم بن إدريس وقبض ما معهم من الهدية والأموال والبضائع وسوَّلت له نفسه أن هذا جبران ما فات عليه في حضرموت فراسلهً السلطان بذلك وكاتبهُ وقال لهُ لم يجر بذلك عادة من اهلك ونحن نحاشيك من قطع السبيل وأنت تعلم ما بيننا وبين والدك وما بيننا