للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت الوقفة المباركة يوم الأربعاء فلما أذن المؤّذن الظهر يوم عرفة صلى بصلاة الإمام وركب نحو الصخرات يتوخى موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل واقفاً بين يدي الله سبحانه وتعالى في تقديس وتهليل وتسبيح وتبجيل إلى آخر النهار. وفي آخر النهار وصل أمير الركب المصري وأمير الركب الشامي وسأَلاه المثول بين يديه بتقبيل كفه الشريف فأذن لهما فوصلا وقبلا كفه الكريمة مراراً وأكثرا من الدعاء له. فلما غربت الشمس سأَلاه أن يأْذن لهما في المسير في خدمته فأَمرهما أن يسيرا في عساكرهما ومحاملهما فقبلا يده وانصرفا وتوقف هو ومن معه من عساكره وخواصه فلم يزل في بكاءٍ وخشوع ودعاءٍ وخضوع والحاضرون يبكون لبكائه ويؤَمنون على دعائه فلما غشيه الليل ستر في عساكره المنصورة إلى الموقف بمزدلفة. ولم يزل بها إلى أن صلى الصبح يوم النحر وأخذ حاجته من الحصى لرمي الجمار ثم سار إلى منى وقد حفت به العساكر وأَحاطت به الفرسان

همام إذا ما هم أمضى همومه ... بأرعن وطء الموت فيه ثقيل

وخيل براها الركض في كل بلدة ... إذا عَرَّست فيها فليس تقيل

ولم يزل سائراً إلى الجمرة الكبرى فرماها هنالك وسار إلى مخيمه وسارت عساكر الشام ومصر بين يديه إلى المخيم فأقام يومه ذلك وهو يوم الخميس العاشر من الشهر فلما كان يوم الجمعة سار إلى مكة المشرفة وطاف بها طواف الزيارة ثم رجع إلى منى فرمي الجمار الثلاث وبات ليلة السبت الثاني عشر في منى فلما أصبح يوم السبت الثاني عشر هرب أمير جاندار من الخدمة وكان قد تنسك وتاب إلى الله تعالى فأقر السلطان في وظيفته الأمير حسام الدين لاجين في التاريخ المذكور. وأقام السلطان في منى يوم الرابع عشر ثم تقدم إلى مكة المشرفة صبح يوم الاثنين وطاف بها طواف الوداع. فلما كان يوم السابع عشر برز السلطان إلى خارج باب النحر وأَشعر على كافة العسكر بالتأَهب وسافر آخر يوم الثامن عشر فاصبح على بئر آدم فأقام هنالك يوم السبت التاسع عشر ثم سار في عساكره قليلاً قليلا فكان دخوله حلى ابن يعقوب يوم الأحد الخامس من المحرم فأقام بها إلى يوم الخميس التاسع من الشهر. وفي إقامته بها أمر الأمير صارم الدين داود بن كشد غدي أستاذ دار الباب الشريف. ثم ارتحل

<<  <  ج: ص:  >  >>