صاحب الزاد فعلموا أن الفقيه قد اطلع على ضمائرهم فاستغفروا الله تعالى عن ذلك وسألوا الفقيه التجاوز عنهم. ومن غريب ما جرى له أنه قرب يوماً طعاماً لأصحاب له ليأكلوا فجاءَهم هر فجعل يتدعك بأرجل الجماعة فضربه بسواك كان عنده فوثب الهر عنهم وقال أنا أبو الربيع فتبسم الفقيه وقال ولا تنفذ علي فما عرفت أن اسمك سليمان. توفي بين المدينتين في قاع البزواءِ ليس له تاريخ محقق. وفيها توفي الفقيه العالم أبو العباس أحمد بن الفقيه مقبل بن عثمان بن مقبل بن عثمان بن أسعد العلبي بضم العين وفتح اللام نسبة إلى جد له اسمه علبة. وكان ميلاده بذي اشرق سنة ست وخمسين وخمسمائة ثم انتقل إلى موضع يسمى عَرَج بفتح العين والراء المهملتين وبعدهما جيم. وهو أول من سكن قريته وكان تفقه بالإمام سيف السنة وبالفقيه زيد بن عبد الله الزبراني وغيرهما. وكان حافظاً محققاً فقهياً مدققاً صنف كتاباً يسمى الجامع يدل على جودة علمه وكتاباً في أصول الفقه سماه الإيضاح وله شرح المشكل في غريب اللمع. وهو أحد الفقهاء الذين كثرت ذراريهم وانتفع الناس بهم وعنه أخذ عمر بن الحداد والسكيل وابناه محمد وأبو بكر وامتحن بقضاء عدن وعاد
إلى بلده فتوفي بها في شعبان من السنة المذكورة والله اعلم.
وفي سنة ٦٣١ جهز السلطان نور الدين خزانة عظيمة إلى الشريف راجح بن قتادة وعسكراً جراراً. فنهض الشريف راجح في العسكر المنصوري واخرجوا العسكر المصريَّ من مكة. وفيها أَرسل السلطان نور الدين هدية عظيمة إلى الخليفة ببغداد. وكان الخليفة يومئذ المستنصر بن الظاهر العباسي وهو والد المستعصم بالله. وطلب تشريفة السلطنة. وكان التقليد بالنيابة كما جرت عوائد الملوك. فعاد الجواب بأن التشريفة تصلك إلى عرفة. فخرج من اليمن يريد الحج. فحج على النجب حجة هنيئة. وهرب منهُ الشريف راجح بن قتادة ولم يحج معهُ. فضاق صدره. فلما قضى نسكه ورجع إلى اليمن رجع الشريف إلى مكة.