للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآخذين عنه من الحنفية، في أول مقالته هذه، مع ما سلف من أنه لا دخل لصفات الخبرين في (المتواتر) . وهو واضح الاليام، فما هنا بالنظر إلى كون أهل هذه الطبقة مثلاً تبعد العادة لجلالتهم تواطؤ ثلاثةٍ منهم على الكذب أو الغلط، وكون غيرها لا نحطاط أهلها عن هؤلاء لا يحصل ذلك إلا بعشرةٍ مثلاً، وغيرها لعدم اتصفاف أهلها بالعدالة وعرفتهم بالفسق ونحوه لا يحصل إلا بمزيد كثيرٍ من العدد. نعم يمكن بالنظر لما أشرت إليه أن يكون المتواتر من مباحثنا)) (١) .

رأيت؟ ‍عاد به الأمر إلى أن (المتواتر) من مباحث علم الإسناد‍‍‍

مع أن السخاوي نفسه قال قبل ذلك في (فتح المغيث) عن (المتواتر) : ((وليس من مباحث هذا الفن، فإنه لا يبحث عن رجاله، لكونه لا دخل لصفات المخبرين فيه)) (٢) ‍‍.

والسخاوي نفسه أيضاً قال في (الغاية شرح الهداية) : ((إذا علم هذا، فإنما لم يفرد ابن الصلاح لـ (المتواتر) نوعاً خاصاً، لأنه ليس من مباحث الإسناد ... )) (٣) ‍.

وقال السخاوي نفسه أخيراً في كتابه (التوضيح الأبهر لتذكرة ابن الملقن في علم الأثر) : ((وليس (التواتر) المعروف في الفقه وأصوله من مباحثنا)) (٤) .

فانظر ـ رعاك الله ـ إلى تدرج أثر أصول الفقه على مصنفات علوم الحديث، عبر العصور، وعلى الإمام الواحد أيضاً‍‍‍

ولست أريد الدخول في معمعة التعقبات على الحافظ ابن حجر، والردود عليها، والردود على هذه الردود، الواردة في حواشي (النزهة) وشروحها، وفي كتب علوم الحديث المتأخرة عن الحافظ ابن حجر، حول هذه المسألة. لكني اكتفيت بما يدل على أن (المتواتر) ليس من مباحث علوم الحديث، ولا وجود له في واقع الروايات الحديثية. وذلك قادني إلى ذكر كلام الحافظ ابن حجر الآنف الذكر، وإلى ما نقلته عن كلامه من تعقب ورد.

غير أننا استفدنا من ذلك فائدةً بينةً، وهي تعمق أثر أصول الفقه على


(١) فتح المغيث للسخاوي (٤ / ٢٠) .
(٢) فتح المغيث للسخاوي (٤ /١٤) .
(٣) الغاية شرح الهداية للسخاوي (١/٢٣٢) .
(٤) التوضيح الأبهر للسخاوي (ص ١٨) .

<<  <   >  >>