للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحصن آخر قبل مجيء العدو الضعيف. وبذلك اماتوا الكذب في صدور أصحابه، ولم يستشر داؤه، بل لم يوجد اصلاً إلا من آحادٍ هلكوا فهلك معهم.

وقد أعلن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما المنهج الذي بدأ يود ذلك العصر في تلقي السنة، عندما قال رضي الله عنه: ((إنا كنا إذا سمعنا رجلاً يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ٩، ابتدرته أبصارنا، وأغينا إليه بآذاننا. فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف)) (١)

لقد كان في ذلك التثبت إنشاء لعلم جديد من علوم الحديث، وهو علم الجرح والعديل، الذي كانت قد وضعت أسسه، وأصلت قواعده، في الأصلين: الكتاب والسنة، كما مر بيانه.

فابن عباس رضي الله عنه، يعلن هنا عن بداية حقبةٍ جديدةٍ للرواية، تختلف عن الحقبة السابقة لها. حيث لم يكن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحقبة السابقة، إلا من زكاهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضي الله عنهم، الذين لم يكن يستلزم قبول ما يروونه إلا سماعه منهم. أما الحقبة التي يتكلم عنها ابن عباس رضي الله عنه، فقد بدأ من لم يكن له لقي بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبة، بالحديث عنه صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء لم يلقوه، فحديثهم عنه صلى الله عليه وسلم لا بد أن يكون لهم إليه


(١) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (١/١٢-١٣) ، والدارمي في السنن (رقم ٤٣٢، ٤٣٣) وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه (رقم ١٤٨٦) ، وابن حبان في المجروحين (١/١١٢) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ـ المخطوط ـ (٣/٣٨٩) .

<<  <   >  >>