للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه واسطة؛ ثم إنهم هم أنفسهم ليس لهم شرف الصحبة، ولا نالهم تعديل من الله تعلى أو رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ثم بعد أن دبت الفتنة، (وركب الناس الصعب والذلول) ، كان لا بد من معرفة الواسطة المحذوفة في مرسل ذلك التابعي، للتوثق من ثقة تلك الواسطة، وذلك ـ بالطبع ـ بعد التوثق من ثقة ذلك التابعي نفسه الذي أرسل الحديث أولاً.

فكان هذا أول تطبيق عملي ظاهر لعلم الجرح والتعديل، وأول السؤال عن الإسناد، ورفض المراسيل. وذلك لظهور علتين اقتضت ذلك، هما علتا: رواية المجروح، والإرسال وعدم الإسناد (١) وفي الحقيقة، فإن علة الإرسال عائدة إلى العلة الأولى، لأن عدم قبول المرسل إنما كان، لا حتمال كون المحذوف مجروحاً.

وقد أرخ بداية نشوء هذين العلمين (علم الإسناد وعلم الجرح والعديل) من علوم الحديث، أحد أئمة التابعين، وهو محمد بن سيرين (ت ١١٠هـ) ، عندما قال: ((لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر على أهل البدع فلا يؤخذ


(١) وفي ذلك رد على من زعم أن أول من رد الحديث المرسل الإمام الشافعي، فهذا عبد الله ابن عباس رضي الله عنه قد سبقه إلى ذلك!! وتلاه أيضاً محمد بن سيرين، والزهري، كما يأتي (ص ٣٠-٣١، ٣٧) .
انظر رسالة أبي دواود إلى أهل مكة (٢٤) ، والتمهيد لابن عبد البر (١/٤) . ثم انظر جامع التحصيل للعلائي (٧٠) ، والنكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (٢/٥٦٧-٥٦٨) وتهذيب التهذيب (١/٤٧١) ، وفتح المغيث للسخاوي (١/١٦٦) ، وتوضيح الأفكار للصنعاني (١/٢٩٦) ، وإرشاد الفحول للشوكاني (١٢٠) .

<<  <   >  >>