للأجيال، في بناء علم جديد، تمز به الإسلام، وتفرد به علماؤه. ألا وهو الإسناد وعلومه، التي أطلق عليها بعد ذلك: علوم الحديث وأصوله.
وإن كنا نحن في بحثنا هذا، إنما نقصره على مصطلح الحديث خاصة، إلا أنه لا يسعنا إغفال تاريخ تدوينه ومراحل هذا التدوين. ذلك لأن مصطلح الحديث أخذ بالبروز والتبلور، هي هذا العصر وفي العصور اللاحقة له، مع حركة التدوين، مرافقة لها جنباً إلى جنب.
ولا غرابة في ذلك، إذ إن تدوين السنة ذاته:(أصوله وآدابه) = من علوم الحديث، وله مصطلحاته الخاصة به.
ولا غرابة في ذلك أيضاً، لأن حركة التدوين إنما كانت تنقل من مرحلةٍ إلى مرحلة ٍ أخرى أكثر ارتقاء، بناء على ما يستجد من دواعي الحفاظ على السنة، وما يظهر من أخطار عليها، تستلزم حماية معينة تجاهها. وحينها لا يعقل أن يرتقي تدوين السنة، دون باقي علومها، ودون نشوء مصطلحات واستقرار أخرى، في مواجهة تلك الدواعي والأخطار. خاصة إذا أدركنا أن من تلك الدواعي: انتشار السنة، وتشعب الأسانيد وطولها؛ وأن من تلك الأخطار: فشو الكذب بعد جيل أتباع التابعين، وافتراق الأمة قبل ذلك بكثير إلى شيع وأحزاب.
وهذا الأمر ـ أعني: ترابط مراحل ارتقاء تدوين السنة بمراحل ارتقاء مصطلحاتها ـ من أوضح ما يكون عند المتخصصين في هذا العلم. بل كان يمكن أن نعكس القضية، فنقيس مراحل ارتقاء التدوين بمراحل ارتقاء المصطلح، بدلاً من ضد ذلك مما نزمع القيام به؛ لولا أن تدوين السنة قد درس وخدم تأريخه ومراحل تطوره من علماء الأمة، قديماً وحديثاً، بما