ذالك لأنه حتى من اعتقد المذهب الأشعري (مثلاً) من المحدثين في هذا العصر، فهو ـ غالباً إنما اعتقده لظنه أنه المنقذ أمام المد الاعتزالي، ولذلك كان بعضهم يزعم أن مذهبه الكلامي ذاك هو مذهب السلف، جهلاً منه بمذهب السلف. ومثل هذا الصنف من المحدثين، ممن عاش في القرن الرابع، لن يكون لاعتقاده الكلامي أثر ذو بالٍ على علوم السنة ومصطلحها، لأن تأثره في المعتقد، لم يبلغ إلى درجة أن يعمق فيه المنهج الكلامي، ليؤثر عليه ـ بعد ذلك ـ في علم الحديث، العلم السني ذي المناعة الذاتية من تلك العلوم الدخيلة (العوم العقلية)
غير أن أثر تلك المذاهب أخذ في الظهور خلال اقرون اللاحقة، كما ذكرناه سابقاً. فالقرن الخامس زاد فيه أثر تلك المذاهب على علوم السنة عن القرن الرابع، وهو ـ مع ذلك أقل تأثراً من القرن السادس ... وهكذا.
أما من لم يتبع مذهباً كلامياً، من علماء الحديث في القرن الرابع، وهم فئام كبير منهم = فهؤلاء بعيدون كل البعد عن التأثر بالعلوم العقلية، وبالمنهج الكلامي لتلك المذاهب، في تقرير قواعد علوم الحديث وشرح مصطلحاته وفي غير ذلك من العلوم الشرعية. وهؤلاء المحدثون في الحقيقة لم يزالوا على إرث سلفهم (علماء القرن الثالث) ، وكأنهم امتداد (وهم كذلك) لذلك الإرث ولألئك العلماء.
ومن أمثال هؤلاء: بعض أعلام نقاد الحديث في القرن الرابع، كأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت ٣٨٥هـ) . الذي كان يقول:((ما في الدنيا شيء أبغض إلي من الكلام)) (١) ،