الإمام الذهبي (محمد بن أحمد بن عثمان، المتوفي سنة ٧٤٨هـ) على هذا بقوله: ((لم يدخل الرجل أبداً في علم الكلام، ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفياً (١) .
إذن فالأشعرية وغيرها من المذاهب الكلامية لم تؤثر في علم الحديث، خلال القرن الرابع، إلا على ذكل القدر المشروح آنفاً. من أن أثرها إنما ينحصر في منم اعتقد بأحد المذاهب الكلامية من المحدثين، دون غيرهم، هذا إن كان لاعتقادهم ذاك أثر عليها، كما تقدم ذكره.
وكان يمكن أن يستمر أثر المذاهب الكلامية محصوراً، على تلك الصورة المذكورة آنفاًَ، خلال القرون اللاحقة بعد القرن الرابع. إلا أن زيادة تعمق المذاهب الكلامية خلال القرون التالية للقرن الرابع، مع ما رافق ذلك من زيادة ضعف تلقي العلوم النقلية = أدى ذلك إلى ازدياد أثر المهج الكلامي على العلوم النقلية (ومنها علم الحديث) ، ازدياداً متدرجاً على مر القرون.
مع ذلك أيضاً، كان من الممكن أن يبقى أثر المذاهب الكلامية خلال القرون اللاحقة للقرن الرابع محصوراً فيمن اعتقد بها، خاصة وأن مسائل العقيدة، والأسماء والصفات بالأخص، ظلت عند علماء السنة وأتباع الأثر مسائل مصيرية، لا يتهاونون في الدفاع عن مذهب السلف فيها، وينابذون كل ما خالفها، عبر العوهد المتلاحقة.
أقول: كان من الممكن أن يبقى أثر المذاهب الكلامية على علوم السنة محصوراً في من اعتقد بها، لولا أن العلوم العقلية