العلماء أيضاً، لكن كان الواجب ترك الاختصاص لأهله؛ فإذا تكلم فيه غيرهم ـ كما وقع فعلاً ـ أن يقدر هذا الكلام بقدره، فلا ينصب كأنه كلام قرين لأهل الاختصاص؛ فضلاً عن أن يقدم على
كلامهم؛ أو أن يأول كلام أهل الاختصاص ليوافق كلام غيرهم إذا خالفهم! وهذا أخطر من الترجيح الصريح، لأنه يوهم أن ذلك الكلام الذي قرره غير أهل الاختصاص هو كلام أهله وتقريرهم أيضاً!!
والأخطر من ذلك كله، هو التأثير الذي عم الأوساط العلمية كلها ن ولم ينج منه كبير أحدٍ من العلماء، على تمايزٍ بينهم في درجة ذلك التأثير، بالمنهج الذي كتبت به أصول الفقه (طريقة المتكلمين) .
إن علم أصول الفقه لا شك أنه من جليل العلوم الإسلامية، ومن أنفعها. لا يجهل ذلك إلا جاهل به، مغرق في جهله. وكيف لا يكون كذلك؟! وموضوعه وغايته أشرف الموضوعات والغايات، وهو فهم مراد الله ورسوله، ومعرفة أحكام دين الله العظيم.
لذلك فقد كان العلماء ـ ومازالوا ـ يرون تعلمه وتعليمه واجباً لا يتم واجب العلم بدين الله تعالى إلا به، وإنه لعمري كذلك!
لكن شاء الله تعالى أن تكتب أصول علم الأصول (بعد أصل الأصول: الرسالة للشافعي) بعد النقص الذي اعترى تلقي العلوم النقلية، كما سبق شرحه، وعلى يد متكلمين، من أعرقهم في علم الكلام نسبياً، وأثبتهم بالمنطق اليوناني قدماً، وأكثرهم بالفلسفة تعلقاً!!!