وهكذا يظهر أن هذا التقسيم للأحاديث إلى (متواتر) و (آحاد) ، إنما نشأ من فكرٍ أثيم، وعقليةٍ فاسدة، وبيد البدعة، وعلى عين أعداء السنة، الذين لا يسعون إلا لرفض السنن، واستعباد الناس لفلسفة اليونان، بدلاً من دين الرحمن.
ومن هذا يظهر أيضاً: أن هذا التقسيم إنما نشأ في آخر القرن الهجري الثاني وأوائل القرن الثالث، على يد بشر المريسي ومن على شاكلته من جهمية ومعتزلة.
وبذلك نفسر عدم استخدام المحدثين لهذا التقسيم وألقابه في القرن الثالث فما قبله، ونعرف سبب ذلك. أما ما قبل القرن الثالث، أعني غالب القرن الثاني فما قبله، فلأن هذا التقسيم لم يكن قد وجد أصلاً، لا عند أهل السنة ولا عند غيرهم. وأما في القرن الثالث، فلأن منشأ هذا التقسيم ومصدره هم الجهمية ومن شابههم، والعداء بين أهل السنة وهؤلاء، وبين علوم السنة وعلوم أولئك = كان بالغاً الغاية، محتدماً، لا مجال خلاله للتأثر بأي شيءٍ من جانب العدو، ولو كان أمراً شكلياً لا علاقة له بالمضمون (اقول: لو كان)
وقد سبق شرح هذا التنافر وأثره في الحفاظ على علوم السنة (١) .
ومن أجل ذلك بدأ الجدال وحميت المناظرات، من أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث إلى ما بعد ذل، حول مسألة حجية (خبر الآحاد) . حيث إن ذلك التقسيم أول ما نشأ كان يصرح بد (خبر الآحاد) بالكلية، وعدم قبول شيءٍ من الأخبار إلا ما اسماه بـ (المتواتر) .