للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحديثه عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير الذي روى عنه صاحبه، ويجمعوا جميعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم = للعلة التي وصفت؟

قال: نعم، لأنهم إذا كانوا في بلدٍ واحدٍ أمكن فيهم التواطؤ على الخبر، ولا يمكن فيهم إذا كانوا في بلدان مختلفة.

(قال الشافعي:) فقلت له: لبئس ما نبثت (١) به على من جعلته إماماً في دينك، إذا ابتدأت وتعقبت!!)) (٢) .

هذا أول ردود الشافعي على أحد شروط (المتواتر) التي يشترطها الأصوليون، وهو شرط: استحالة التواطؤ على الكذب.

فيرى الإمام الشافعي أن اشتراط هذا الشرط، واعتبار أن تحققه يتم بأن يكون كل راوٍ من بلدٍ بعيدٍ عن الآخر= فيه حط شديد على أئمة الدين، وثقات الأمة وعدولها، إذ جعلها ذلك الشرط وكأنهم لا يحول بينهم وبين التواطؤ على الكذب إلا عدم القدرة على التواطؤ، لمثل بعد البلدان!!!

سبحانك! هذا بهتان عظيم!!

ثم أقول (من عند نفسي) : إن استحالة التواطؤ على الكذب، لا تتم ـ مع ذلك ـ ببعد البلدان بين الرواة، لاحتمال الرحلة واللقاء، ولاحتمال المراسلة! لكن تلك الاستحالة إنما تستفاد مما عرفناه (بالنقل المتواتر) من أحوال أولئك الأئمة، الدالة على: شدة التدين، وتعظيم الحرمات، والدفع عن حياض الشريعة، وجميل

صفاتهم، وحسن سيرتهم في كل أمرهم. وهذا


(١) النبث: النبش والبحث في الأرض. انظر تاج العروس ـ نبث ـ (٥ /٣٦٦-٣٨٦) . والمعنى: لبئس ما نبشته على أئمتك من التهمة بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم!!
(٢) جماع العلم (رقم ٣٠٩ - ٣١١) .

<<  <   >  >>