قال البغوي: فلما قصَّا عليه الرؤيا كره يوسف أن يعبّر لهما لمّا سألاه، لِمَا علم في ذلك من المكروه على أحدهما، فأعرض عن سؤالهما، وأخذ في غيره من إظهار المعجزة والدعاء إلى التوحيد و {قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} قيل: أراد به في النوم يقول: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} في نومكما، {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} في اليقظة، وقيل: أراد به في اليقظة يقول: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ} من منازلكما، {تُرْزَقَانِهِ} تطعمانه وتأكلانه، {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} بقدره ولونه والوقت الذي يصل فيه إليكما، {قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا} ، مثل معجزة عيسى عليه السلام. {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن
نُّشْرِكَ بِاللهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} ثم دعاهما إلى الإسلام فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ} ، أي: آلهة شتى، {خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} ثم فسر رؤياهما فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا} وهو صاحب الشراب، {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} والعناقيد الثلاثة: ثلاثة أيام يبقى في السجن ثم يدعوه الملك بعد الثلاثة ويردّه إلى منزلته التي كان عليها، {وَأَمَّا الآخَرُ} ، يعني: صاحب الطعام فيدعوه الملك بعد ثلاثة أيام، والسلال الثلاث: ثلاثة أيام يبقى في السجن ثم يخرجه فيأمر به {فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} . قال ابن مسعود: ولما سمعا قول يوسف قالا: ما رأينا شيئًا إنمّا كنّا نلعب، قال يوسف:{قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} ، أي: فرغ من الأمر الذي عنه تسألان، ووجب حكم الله عليكما بالتي أخبرتكما به، رأيتما أو لم تريا. وقال - يعني يوسف - عند ذلك:{لِلَّذِي ظَنَّ} علم {أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا} وهو الساقي ... {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} ، يعني: سيدك الملك وقل له: إن غلامًا محبوسًا ظلمًا طال حبسه، {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} قيل: أنسى