للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشغله ما كان به من الضرر، حتى قام إلى شطّ البحر، فشقّ بطونهما فجعل يغسل، فوجد خاتمه في بطن إحداهما، فأخذه فلبسه، فردّ الله عليه بهاؤه وملكه، وجاءت الطير حتى حامت عليه، فعرف القوم أنه سليمان، فقام القوم يعتذرون مما صنعوا، فقال: ما أحمدكم على عذركم، ولا ألومكم على ما كان منكم، كان هذا الأمر لا بدّ منه. قال: فجاء حتى أتى ملكه، فأرسل إلى الشيطان فجيء به، وسخّر له الريح والشياطين يومئذٍ، ولم تكن سُخِّرت له قبل ذلك، وهو قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا

يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} ، قال: وبعث إلى الشيطان فأتي به، فأمر به فجُعل في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه فأقفل عليه بقفل، وختم عليه بخاتمه، ثم أمر به، فألقي في البحر، فهو فيه حتى تقوم الساعة.

وقوله تعالى: {ثُمَّ أَنَابَ} ، قال البغوي: أي: رجع إلى ملكه بعد أربعين يومًا فلما رجع، {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن عفريتًا من الجنّ تفلّت عليّ البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع عليّ الصلاة، فأمكنني الله تبارك وتعالى منه، وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلّكم، فذكرت قول أخي سليمان عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي} . قال روح: فردّه خاسئًا» . متفق عليه. وفي رواية أحمد من حديث أبي سعيد: «ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطًا بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل» .

وقال الضحاك في قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي} فإنه دعا يوم دعا ولم يكن في ملكه الريح وكل بنّاء وغوّاص من الشياطين، فدعا ربه عند

<<  <  ج: ص:  >  >>