قال البغوي: قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} هذه الآية معطوفة على قوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} واذكر: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} ، {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ} لأن هذه السورة مدنية، وهذا المكر والقول إنما كان بمكة، ولكن الله ذكّرهم بالمدينة، كقوله تعالى:{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ} وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير: أن قريشًا فَرَقوا لما أسلمت الأنصار أن يتعالى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة، ليتشاوروا في أمر رسول - صلى الله عليه وسلم - فاعترضهم إبليس - لعنه الله - في صورة شيخ، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من نجد سمعت باجتماعكم، فأردت أن أحضركم، ولن تعدموا
مني رأيًا ونصحًا، قالوا: ادخل، فدخل، فقال أبو البختري: أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدًا وتحبسوه في بيت، وتشدّوا وثاقه، وتسدّوا باب البيت، غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه، وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه كما هلك من كان قبله من الشعراء. قال: فصرخ عدوا الله الشيخ النجدي وقال: بئس الرأي رأيتم، والله لئن حبستموه في بيت فخرج أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فيوشك أن يثبوا عليكم، ويقاتلوكم، ويأخذوه من أيديكم. قالوا: صدق الشيخ النجدي.
فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي: أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير تخرجوه من أظهركم، فلا يضرّكم ما صنع، ولا أين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه. فقال إبليس لعنه الله: ما هذا لكم برأي تعتمدون عليه، تعمدون