وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ماعدا ذلك من بدنها، إلا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف، فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعاً، كان معلوماً بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره، وإذا كان لها إظهار ذلك؛ كان معلوماً أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله:{إلا ما ظهر منها}
[النور: ٣١]، لأن كل ذلك ظاهر منها)).
وهذا الترجيح غير قوي عندي، لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني، وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي، وهو غير لازم هنا، لأن للمخالف أن يقول: جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة، أمر خاص بالصلاة، فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين.
وأقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها، لدليل، بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه، وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه، لا في صحة الدعوى، فالحق في معنى هذا الاستثناء ما أسلفناه أول البحث، وأيدناه بكلام ابن كثير.
ويؤيده أيضاً ما في ((تفسير القرطبي)):
((وقال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ {ما ظهر} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه)).
قال القرطبي:
((قلت: هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما، يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت عل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال لها: يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه)).
قلت: وفي هذا التعقيب نظر أيضاً، لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة، فإنما ذلك بقصد من المكلف، والآية حسب فهمنا إنما أفادت إستثناء ما ظهر دون قصد، فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلاً شاملاً لما ظهر بالقصد؟! فتأمَّل.
ثم تأمَّلت، فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء هو الصواب، وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله،