فقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة ـ وهي شعار يلبس تحت الثوب ـ ليمنع بها وصف بدنها، والأمر يفيد الوجوب كما تقرر في الأصول، ولذلك قال الشوكاني في شرح هذا الحديث ما نصه:
((والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه، وهذا شرط ساتر العورة، وإنما أمر بالثوب تحته لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها)).
وهو كما ترى قد حمل الحديث على الثياب الرقيقة الشفافة التي لا تستر لون البشرة، فهو على هذا يصلح أن يورد في الشرط السابق، ولكن هذا الحمل غير متجه عندي، بل هو وارد علىالثياب الكثيفة التي تصف حجم الجسم من ليونتها، ولوكانت غبر رقيقة وشفافة، وذلك واضح من الحديث لأمرين:
الأول: أنه قد صرح فيه بأن القبطية كانت كثيفة، أي: ثخينة غليظة، فمثله كيف يصف البشرة ولا يسترها عن رؤية الناظر؟ ولعل الشوكاني رحمه الله ذهل عن هذا القيد ((كثيفة)) في الحديث، ففسر القبطية بما هو الأصل فيها.
الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صرح فيه بالمحذور الذي خشيه من هذه القبطية، فقال:
((إني أخاف أن تصف حجم عظامها)).
فهذا نص في أن المحذور إنما هو وصف الحجم لا اللون.
فإن قلت: فإذا كان الأمر كما ذكرت، وكانت القبطية ثخينة، فما فائدة الغلالة؟
قلت: فائدتها دفع ذلك المحذور، لأن الثوب قد يصف الجسم ولو كان ثخيناً، إذا كان من طبيعته الليونة والإنثناء على الجسد، كبعض الثياب الحريرية والجوخ المعروفة في هذا العصر، فأمر - صلى الله عليه وسلم -
بالشعار من أجل ذلك. والله تعالى أعلم.
وقد أغرب الشافعية فقالوا:
((أما لو ستر اللون ووصف حجم الأعضاء فلا بأس، كما لو لبس سروالاً ضيقاً))! قالوا:
((ويستحب أن تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار، وتتخذ جلباباً كثيفاً فوق ثيابها ليتجافى عنها، ولا يتبين حجم أعضائها)) ذكره الرافعي في شرحه.
والقول بالإستحباب فقط ينافي ظاهر الأمر، فإنه للوجوب كما تقدم، وعبارة الإمام الشافعي - رضي الله عنه - في ((الأم)) قريب مما ذهبنا، فقد قال:
((وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة ... فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له، ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة ... والمرأة في ذلك أشد حالاً من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها الدرع، وأحب إليَّ أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع)).