أنه لعن المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وأمر بنفي المخنثين، وقد نص على نفيهم الشافعي وأحمد وغيرهما، وقالوا: جاءت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنفي في حد الزنا، وبنفي المخنثين.
وفي صحيح مسلم عنه أنه قال:
((صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: كاسيات عاريات مائلات مميلات، على رؤوسهن مثل أسمنة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر، يضربون بها عباد الله)).
وقد فسر قوله:((كاسيات عاريات))، بأن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية، وهي في الحقيقة عارية، مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما تسترها فلا تبدي جسمها، ولا حجم أعضائها لكونه كثيفاً واسعاً.
ومن هنا يظهر الضابط في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن تشبه الرجال بالنساء، وعن تشبه النساء بالرجال، وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعاً إلى مجرد ما تختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه، فإنه لو كذلك لكان إذا اصطلح قوم على أن يلبس الرجال الخُمُر التي تغطي الرأس والوجه والعنق، والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان! وأن تلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة ونحو ذلك أن يكون هذا سائغاً! وهذا خلاف النص والإجماع، فإن الله تعالى قال للنساء:
{وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} الآية، وقال:{قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} الآية، وقال:
{ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}، فلو كان اللباس الفارق بين الرجال والنساء مستنده مجرد ما يعتاد النساء أو الرجال باختيارهم وشهوتهم، لم يجب أن يدنين عليهن الجلابيب، ولا أن يضربن بالخمر على الجيوب، ولم يحرم عليهن التبرج تبرج الجاهلية الأولى، لأن ذلك كان عادةً لأولئك، وليس الضابط في ذلك لباساً معيناً من جهة نص النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من جهة عادة الرجال والنساء على عهده، بحيث يقال: إن ذلك هو الواجب وغيره يحرم، فإن النساء على عهده كن يلبسن ثياباً طويلات الذيل بحيث ينجُّر خلف المرأة إذا خرجت، والرجل مأمور بأن يشمر ذيله حتى لا يبلغ الكعبين، ولهذا لمَّا نهى - صلى الله عليه وسلم - الرجال عن إسبال الإزار، وقيل له: فالنساء؟
قال: يرخين شبراً، قيل له: إذن تنكشف سوقهن، قال: ذراعاً لا يزدن عليه، قال الترمذي:
((حديث صحيح)).
فالفارقة بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال، وما يصلح للنساء، وهو ما ناسب ما يؤمر به الرجال، وما يؤمر به النساء، فالنساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور.