وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه. ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك. ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم، فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم في أهوائهم، وأعون على حصول مرضاة الله في تركها، وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره. فإن ((من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه))، وأي الأمرين كان؛ حصل المقصود في الجملة، وإن كان الأول أظهر.
ومن هذا الباب قوله تعالى في (الرعد: ٣٦ - ٣٧):
٢ـ {والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك، ومن الأحزاب من ينكر بعضه، قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به، إليه أدعو وإليه مآب وكذلك أنزلناه حكماً عربياً، ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق}.
والضمير في {أهوائهم} يعود - والله أعلم - إلى ما تقدم ذكره، وهم الأحزاب الذين ينكرون بعضه، فدخل في ذلك كل من أنكر شيئاً من القرآن من يهودي أو نصراني أو غيرهما،
وقد قال تعالى: {ولئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك من العلم} (الرعد: ٣٧)، ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم؛ اتباع لأهوائهم، بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك)).
وقال تعالى في (الحديد: ١٦):
٣ـ {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}.
قال شيخ الإسلام (ص ٤٣):
((فقوله: {ولا يكونوا} نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي)).
وقال ابن كثير عند تفسير هذه الآية (٤/ ٣١٠):
((ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية)).
ومن ذلك قوله تعالى في (البقرة: ١٠٤):
٤ـ {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم}.
قال الحافظ ابن كثير (١/ ١٤٨):
((نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص؛ عليهم لعائن الله، فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا، قالوا: راعنا، ويورون بالرعونة، كما قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً بألسنتهم وطعناً في الدين،
ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم، ولكن لعنهم الله بكفرهم