للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلا يؤمنون إلا قليلاً} (النساء: ٤٦).

وكذلك جاءت الأحاديث بإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلُّموا إنما يقولون: ((السام عليكم)

والسام هو الموت، ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ ((وعليكم))، وإنما يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم علينا، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولاً وفعلاً)).

وقال شيخ الإسلام عند هذه الآية ما مختصره (ص ٢٢):

((قال قتادة وغيره: كانت اليهود تقوله استهزاءً، فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم، وقال أيضاً: كانت اليهود تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: راعنا سمعك، يستهزئون بذلك، وكانت في اليهود قبيحة. فهذا يبين أن هذه الكلمة نهي المسلمون عن قولها، لأن اليهود كانوا يقولونها، وإن كانت من اليهود قبيحة، ومن المسلمين لم تكن قبيحة، لما كان في مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار

وتطريقهم إلى بلوغ غرضهم)).

وفي الباب آيات أخرى، وفيما ذكرنا كفاية، فمن شاء الوقوف عليها فلينظرها في

((الاقتضاء)) (ص: ٨ - ١٤ و٢٢ و ٤٢).

فتبين من الآيات المتقدمة أن ترك هدي الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم؛ من المقاصد والغايات التي أسسها وجاء بها القرآن الكريم، وقد قام النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيان ذلك وتفصيله للأمة، وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة، حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشعروا أنه عليه السلام يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم، كما روى أنس بن مالك - رضي الله عنه -:

((إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبيِ - صلى الله عليه وسلم - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى، فاعتزلوا النساء في المحيض} إلى آخر الآية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح))، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما)) رواه مسلم.

قال شيخ الإسلام في (الاقتضاء):

(فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من مخالفة اليهود، بل على أنه خالفهم في عامة أمورهم حتى قالوا:

<<  <   >  >>