ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه).
وأما السنة فالنصوص فيها كثيرة طيبة في تأييد القاعدة المتقدمة، وهي لا تنحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة كالصلاة مثلاً، بل قد تعدتها إلى غيرها من العبادات والآداب
والاجتماعيات والعادات، وهي بيان وتفصيل لما أجمل في الآيات السابقة ونحوها كما قدمت الإشارة إليه.
وها نحن أولاء نسوقها بين يديك؛ لتكون على بصيرة فيما ذهبنا إليه:
١ ـ عن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - قال:
((قلت يا نبي الله! أخبرني عما علَّمك الله، وأجهله، أخبرني عن الصلاة. قال: صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار. ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تُسجر جهنم، فإذا أقبل الفيءُ فصلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حين تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار)) رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
((فقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب؛ معللاً بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار. ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلالله تعالى، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق ...
وكان فيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون كفراً أو معصية بالنية؛ ينهى المؤمنون عن ظاهره، وإن لم يقصدوا به قصد المشركين، سداً للذريعة وحسماً للمادة ...
ولهذا نهى عن الصلاة إلى ما عُبد من دون الله في الجملة، وإن لم يكن العابد يقصد ذلك ... لما فيه من مشابهة السجود لغير الله؛ فانظر كيف قطعت الشريعة المشابهة في الجهات وفي الأوقات!
وكما لا يصلي إلى القبلة التي يصلون إليها، وكذلك لا يصلي إلى ما يصلون له، بل هذا أشد فساداً، فإن القبلة شريعة من الشرائع قد تختلف باختلاف شرائع الأنبياء؛ أما السجود لغير الله وعبادته فهو محرم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله كما قال سبحانه: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون})).
٢ ـ عن جندب ـ وهو ابن عبد الله البجلي ـ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول: