للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: ٢٢] .

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [الأنعام: ٩٣] الْآيَةُ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَرَاهُمُ الْمُحْتَضِرُ فِي وَقْتٍ قَصِيرٍ بِمِقْدَارِ مَا يُسَمُّونَهُ الْبِشَارَةَ بِمَا يُحِبُّ إِنْ كَانَ مُطِيعًا , وَبِمَا لَا يُحِبُّ إِنْ كَانَ عَاصِيًا، فَلَا وَجْهَ لِاسْتِبْعَادِ ذَلِكَ وَلَا لِإِنْكَارِ مَا فِي الْخَيْرِ مِنْ أَنْوَاعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ الَّتِي يَرَاهَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ , وَيَتَحَقَّقُ بِهَا جِنْسٌ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ أَطَاعَهُ وَلِمَنْ عَصَاهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُنْعِمَ لِلْمُؤْمِنِ بِمَا هُو مَذْكُورٌ مِنْ طِيبٍ وَكَفَنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَخْفَى عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، أَمَّا فِي الْقَبْرِ بَعَدَ دُخُولِهِ وَحَيَاتِهِ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَدْبِيرَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُمْتَنَعٍ فِي مَقْدُورِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا فِي الْخَبَرِ مِنْ ذِكْرِ مُخَاطَبَةِ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ وَمُخَاطَبَةِ الْجَسَدِ لِلرُّوحِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِظُهُورِ الْحَالِ فِي ابْتِهَاجِ الْمُؤْمِنِ مِمَّا لَقِيَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَتَحَسُّرُ الْعَاصِي بِمَا لَقِيَهُ، وَلِعِظَمِ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ يَصِيرُ الرُّوحُ وْالْجَسَدُ فِي حُكْمِ الْمُتَخَاطِبَيْنِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: ٣٠] ، وَذَلِكَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَفِي مِثْلِهِ قَالَ الرَّاجِزُ:

امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطَّنِي ... مَهْلًا رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْتَ بَطْنِي

وَالثَّانِي: أَنَّ الرُّوحَ وَالْجَسَدَ لَوْ تَكَلَّمَا عِنْدَ افْتِرَاقِهِمَا بِشَيْءٍ لَكَانَ ذَلِكَ مَا فِي الْخَبَرِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: ٢١] ، مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْجَبَلُ مِمَّا يَخْشَعُ , وَيَتَصَدَّعُ مِنْ شَيْءٍ لَعَظُمَ شَأْنُهُ , لَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْقُرْآنُ، وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ يَبْقَى حَيًّا بَعْدَ فِرَاقِ الْجَسَدِ لَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْجَسَدَ يَبْقَى حَيًّا بَعْدَ فِرَاقِ الرُّوحِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْخِطَابَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِذَا لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى حَيَاةِ الْجَسَدِ لَمْ يَدُلَّ أَيْضًا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَمَا فِي الْخَبَرِ مِنْ بُكَاءِ بِقَاعِ الْأَرْضِ , وَأَبْوَابِ السَّمَاءِ , فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَوْ بَكَتْ مِنْ شَيْءٍ لَبَكَتْ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ يَحْضُرُ هَذِهِ الْبِقَاعَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ وَأَرَادَ حَاضِرَهَا وَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأعراف: ٤] وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [الإسراء: ١٦] وَالْمُرَادُ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ يَجْرِى الْكَلَامُ فِي لَعْنِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِلْكَافِرِ , فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَيْضًا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ , وَمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْأَعْمَالِ وَحُضُورِهَا عِنْدَهُ فِي قَبْرِهِ وَدِفَاعِهَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُحْضِرَ مِنْ ثَوَابِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ مَا يَدْفَعُ الْعِقَابَ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ , حَتَّى لَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَالثَّانِي: أَنْ يَحْضُرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَنْ يَعْرِفُهُ، أَوْ يَرَى مَنْ كَتَبَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ فِي جِهَاتِ الْقَبْرِ مَا يَعْرِفُ بِهِ ذَلِكَ، وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>