للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الْوَاقِعِ فَلَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ فَإِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاقِعِ، وَإِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُخْطِئٌ وَضَالٌّ.

(وَأَمَّا الرَّابِعُ فَفِي حُكْمِهِ، وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ يَقِينًا حَتَّى يَكْفُرَ جَاحِدُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١١٥] فَإِنْ قِيلَ الْوَعِيدُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الْمُشَاقَّةُ وَالِاتِّبَاعُ قُلْنَا بَلْ بِكُلِّ وَاحِدٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي ضَمِّهِ إلَى الْمُشَاقَّةِ فَائِدَةٌ) أَوَّلُ الْآيَةِ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥] أَيْ: نَجْعَلُهُ وَالِيًا لِمَا تَوَلَّى مِنْ الضَّلَالَةِ.

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ، وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَعِيدِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُشَاقَّةَ الرَّسُولِ وَحْدَهَا تَسْتَوْجِبُ الْوَعِيدَ فَلَوْلَا أَنَّ الِاتِّبَاعَ الْمَذْكُورَ حَرَامٌ لَمْ يَكُنْ فِي ضَمِّهِ إلَى الْمُشَاقَّةِ فَائِدَةٌ، فَكَانَ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ رَكِيكًا كَمَا لَوْ قَالَ وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ وَيَأْكُلْ الْخُبْزَ، وَإِذَا كَانَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ حَرَامًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ اتِّبَاعَ سَبِيلٍ مِنْ السُّبُلِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: ١٠٨] الْآيَةَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ اتِّبَاعَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاتِّبَاعُ غَيْرِهِ يَكُونُ مُخَالَفَةَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَكُونُ الْمَعْطُوفُ أَيْ: الِاتِّبَاعُ عَيْنَ الْمَعْطُوفِ

ــ

[التلويح]

عَلَى التَّكْرَارِ، وَتَغَايُرُ الْمَفْهُومَيْنِ لَا يَدْفَعُ التَّكْرَارَ كَمَا فِي قَوْلِنَا اتَّبِعُوا الْقُرْآنَ، وَكِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّنْزِيلَ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ أَحْكَامًا لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) هَذَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ إذْ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَدْخُلُ اتِّبَاعُ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّ عَطْفَ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِلْحَاقِ الْوَعِيدِ بِهِمَا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعَ مَا أَتَى بِهِ وَامْتِثَالَ أَوَامِرِهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَعِيدِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى مَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَيْسَ غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ اتَّفَقَ عَلَى بُطْلَانِهِ جُمْهُورُ الْمُتَمَسِّكِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ.

(قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] أَثْبَتَ لِمَجْمُوعِ الْأُمَّةِ الْعَدَالَةَ وَهِيَ تَقْتَضِي الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ، وَالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ الْحَقِيقَةَ الثَّابِتَةَ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى تُنَافِي الْكَذِبَ وَالْمَيْلَ إلَى جَانِبِ الْبَاطِلِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فَتَعَيَّنَ الْمَجْمُوعُ، وَأَيْضًا الشَّاهِدُ حَقِيقَةً هُوَ الْمُخْبِرُ بِالصِّدْقِ، وَاللَّفْظُ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ الشَّهَادَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْأُمَّةِ حَقًّا وَصِدْقًا لِيَخْتَارَهُمْ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى النَّاسِ.

(قَوْلُهُ: وَكُلُّ الْفَضَائِلِ مُنْحَصِرَةٌ فِي التَّوَسُّطِ) تَقْدِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْخَالِقَ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>