للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَزَلَ نَصٌّ بَعْدَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ فَلَا يَلْزَمُ التَّضْلِيلُ الَّذِي ذُكِرَ) .

اعْلَمْ أَنَّ الضَّلَالَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ أَيْ: لَا يَكُونُ الدَّلِيلُ مَقْرُونًا بِشَرَائِطِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ مَقْرُونًا بِشَرَائِطِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُوَصِّلًا إلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بِتَضْلِيلِ الصَّحَابَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفُوا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الدَّلِيلَ مَقْرُونًا بِشَرَائِطِهِ لَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ضَالًّا وَلَا مُخْطِئًا بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ ثُمَّ إذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُمْ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَدَلِيلُ الْمُخَالِفِ لَمْ يَبْقَ الْآنَ دَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ دَلِيلٌ أَقْوَى، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ مَقْرُونًا بِشَرَائِطِهِ فَلَا يَكُونُ تَضْلِيلًا بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الثَّانِيَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَضْلِيلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ مُمْتَنِعٌ بَلْ تَضْلِيلُ كُلِّهِمْ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فَإِصَابَةُ الْحَقِّ لَا تَعْدُوهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَهُمْ مُخْطِئٌ نَظَرًا إلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ عِنْدَنَا.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِالتَّضْلِيلِ التَّضْلِيلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّلِيلِ فَالتَّضْلِيلُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُمْ كَانَ دَلِيلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَكِنَّهُ لَمْ يَبْقَ دَلِيلًا فِي زَمَانِ حُدُوثِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَرَادُوا التَّضْلِيلَ بِالنِّسْبَةِ

ــ

[التلويح]

وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ عَمَّ لَزِمَ اتِّبَاعُ الْمُبَاحَاتِ، وَإِسْنَادُ الْحُكْمِ إلَى الدَّلِيلِ الَّذِي أَسْنَدَ الْمُؤْمِنُونَ إجْمَاعَهُمْ إلَيْهِ قُلْنَا خُصَّ ذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُتَابَعَةُ فِي الْمُبَاحِ.

وَأَنَّ الِاتِّبَاعَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ لِكَوْنِهِ فِعْلَ الْغَيْرِ لَا لِكَوْنِهِ مِمَّا سَاقَ إلَيْهِ الدَّلِيلُ مَثَلًا إيمَانُ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَنُبُوَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُعَدُّ اتِّبَاعًا لِلْيَهُودِ وَذَلِكَ كَمَا خُصَّ الْمُؤْمِنُونَ بِالْمُجْتَهِدِينَ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرٍ فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ مُنَاصَرَتِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ، أَوْ فِيمَا صَارُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِهِ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي طَعْمَةَ بْنِ تِصْحَابَ حِينَ سَرَقَ دِرْعًا وَارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ.

أُجِيبُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعُمُومَاتِ وَالْإِطْلَاقَاتِ دُونَ خُصُوصِيَّاتِ الْأَسْبَابِ وَالِاحْتِمَالَاتِ، وَالثَّابِتُ بِالنُّصُوصِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُهَا وَلَمْ يَصْرِفْ عَنْهُ قَرِينَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّمَسُّكَ بِالظَّوَاهِرِ، وَوُجُوبَ الْعَمَلِ بِهَا إنَّمَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالدَّلَائِلِ الْمَانِعَةِ عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ، وَاعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعَطْفِ تَغَايُرُ الْمَفْهُومَيْنِ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَطْفُ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ عَامٌّ لَا مُخَصِّصَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ إتْيَانُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ أَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْفَائِدَةِ الْجَدِيدَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>