هُمْ الْأُصُولُ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالْبَعْضُ بِعِتْرَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِطَهَارَتِهِمْ عَنْ الرِّجْسِ وَالْبَعْضُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْمَدِينَةَ طَيِّبَةٌ تَنْفِي خَبَثَهَا» ، وَإِنَّ الْخَطَأَ خَبَثٌ.
(إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً لَا يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ الْكُلِّ بَلْ الْأَكْثَرُ كَافٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» ) وَعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَرُبَّمَا كَانَ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ وَالْمُخَالِفُ وَاحِدٌ فِي مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ وَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ هُوَ أُمَّةٌ مُطْلَقَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهُمْ الَّذِينَ طَرِيقَتُهُمْ طَرِيقَةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَصْحَابِهِ دُونَ أَهْلِ الْبِدَعِ.
(وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِي شُرُوطِهِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ لَيْسَ شَرْطًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُشْتَرَطُ أَنْ يَمُوتُوا عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ وَلَنَا أَنَّهُ تَحَقَّقَ الْإِجْمَاعُ فَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ رُجُوعِ الْبَعْضِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَنَا. مَسْأَلَةٌ شَرَطَ الْبَعْضُ كَوْنَهُ فِي مَسْأَلَةٍ غَيْرِ مُجْتَهَدٍ فِيهَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ فَجَعَلُوا الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ مَانِعًا مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُخَالِفَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ خِلَافُهُ لِدَلِيلِهِ لَا لَعَيْنِهِ، وَدَلِيلُهُ بَاقٍ؛ وَلِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْإِجْمَاعِ تَضْلِيلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ وَقَدْ وُجِدَ وَدَلِيلُهُ كَانَ دَلِيلًا لَكِنَّهُ لَمْ يَبْقَ كَمَا إذَا
ــ
[التلويح]
فَقِيلَ: يَكْفُرُ وَقِيلَ: لَا يَكْفُرُ، وَالْحَقُّ أَنَّ نَحْوَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ مِمَّا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنُهُ مِنْ الدِّينِ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ اتِّفَاقًا.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَى إفَادَةِ الْإِجْمَاعِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ يَقِينًا بِوُجُوهٍ مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: ١١٥] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْعَدَ بِاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ بِضَمِّهِ إلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ فَيَحْرُمُ إذْ لَا يُضَمُّ مُبَاحٌ إلَى حَرَامٍ فِي الْوَعِيدِ، وَإِذَا حَرَّمَ اتِّبَاعَ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ يَلْزَمُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ إذْ لَا مَخْرَجَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الِاتِّبَاعِ غَيْرُ سَبِيلِهِمْ فَيَدْخُلُ فِي اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ، وَالْإِجْمَاعُ سَبِيلُهُمْ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ.
فَإِنْ قِيلَ لَفْظُ الْغَيْرِ مُفْرَدٌ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ فَلَا يَلْزَمُ حُرْمَةُ اتِّبَاعِ كُلِّ مَا يُغَايِرُ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْكُفْرُ وَالتَّكْذِيبُ قُلْنَا بَلْ هُوَ عَامٌّ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجِنْسِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَطْعًا، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ فَإِنْ قِيلَ: السَّبِيلُ حَقِيقَةٌ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي يَمْشِي فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ اتِّفَاقًا، وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ اعْتِقَادٍ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الدَّلِيلِ الَّذِي اتَّبَعُوهُ قُلْنَا: اتِّبَاعُ غَيْرِ الدَّلِيلِ إنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ دَاخِلٌ فِي مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ أَيْ: مُخَالَفَةِ حُكْمِهِ إذْ الْقِيَاسُ أَيْضًا مُسْتَنِدٌ إلَى نَصٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute