مَجَازًا لَكِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ حَقِيقَةِ الرُّخْصَةِ مِنْ الثَّالِثِ
(مَا سَقَطَ مَعَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا فِي الْجُمْلَةِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَقَطَ كَانَ مَجَازًا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ شَبِيهًا بِحَقِيقَةِ الرُّخْصَةِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ كَقَوْلِ الرَّاوِي رُخِّصَ فِي السَّلَمِ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ أَنْ يُلَاقِيَ عَيْنًا، وَهَذَا حُكْمٌ مَشْرُوعٌ لَكِنَّهُ سَقَطَ فِي السَّلَمِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ التَّعْيِينُ عَزِيمَةً، وَلَا مَشْرُوعًا، وَكَذَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ ضَرُورَةً فَإِنَّ حُرْمَتَهُمَا سَاقِطَةٌ هُنَا) أَيْ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ (مَعَ كَوْنِهَا ثَابِتَةً فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ} [الأنعام: ١١٩] فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْحُرْمَةِ) فَالْفَرْقُ بَيْنَ
ــ
[التلويح]
ذَلِكَ مِمَّا كَانَتْ فِي الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى غَيْرِنَا، وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْنَا تَوْسِعَةً وَتَخْفِيفًا شَابَهَتْ الرُّخْصَةَ فَسُمِّيَتْ بِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ السَّبَبُ مَعْدُومًا فِي حَقِّنَا وَالْحُكْمُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ أَصْلًا لَمْ تَكُنْ حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا أَصْلًا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ تَسْمِيَتِهِ رُخْصَةً وَعَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا كَامِلًا لَا حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا، فَلَمْ يَبْقَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَخِيرِ، فَإِنَّ الْعَزِيمَةَ فِيهَا بَقِيَتْ مَشْرُوعَةً فِي الْجُمْلَةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا حُرِّمَ الصَّوْمُ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ التَّلَفَ، فَإِنَّهُ صَارَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فِي حَقِّهِ لَا غَيْرُ.
(قَوْلُهُ: فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَقَطَ كَانَ مَجَازًا) . فَإِنْ قُلْت: فَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَيْضًا سَقَطَ الْحُكْمُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَجَازًا.
قُلْت: لَا تَرَاخِيَ بِعُذْرٍ فَالْمُوجِبُ قَائِمٌ وَالْحُكْمُ مُتَرَاخٍ وَهَاهُنَا الْحُكْمُ سَاقِطٌ بِسُقُوطِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ مَحَلَّ الرُّخْصَةِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ مَشْرُوعًا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ أَيْ النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا أَصْلًا فَكَانَ كَامِلًا فِي الْمَجَازِيَّةِ بَعِيدًا عَنْ الْحَقِيقَةِ.
(قَوْلُهُ: كَقَوْلِ الرَّاوِي) «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَيْنِيَّةَ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فِي السَّلَمِ حَتَّى يَفْسُدَ السَّلَمُ فِي الْمُعَيَّنِ كَانَتْ الرُّخْصَةُ مَجَازًا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَيْنِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْبَيْعِ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ لَهُ شَبَهٌ بِحَقِيقَةِ الرُّخْصَةِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ أَنْ يُلَاقِيَ عَيْنًا) لِتَتَحَقَّقَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ «وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» وَعَنْ «بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» فَفِي هَذَا بَيَانٌ لِكَوْنِهِ السَّلَمَ حُكْمًا غَيْرَ أَصْلِيٍّ لِتَحَقُّقِ كَوْنِهِ رُخْصَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْقَ التَّعْيِينُ فِي السَّلَمِ مَشْرُوعًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّعْيِينِ وَإِلَّا لَبَاعَهُ مُسَاوَمَةً مِنْ غَيْرِ وَكْسٍ فِي الثَّمَنِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ) حَالَ الِاضْطِرَارِ، فَإِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْحُرْمَةُ سَاقِطَةٌ إلَّا أَنَّهُ حَرَامٌ رُخِّصَ فِيهِ بِمَعْنَى تَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ إبْقَاءً لِلْمُهْجَةِ كَمَا فِي إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ أَمَّا فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَلِأَنَّ النَّصَّ الْمُحَرِّمَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا حَالَ الِاضْطِرَارِ لِكَوْنِهَا مُسْتَثْنَاةً فَبَقِيَتْ مُبَاحَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute