للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُضْعِفَ الصَّوْمُ الصَّائِمَ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْعَزِيمَةُ أَوْلَى.

وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِكَوْنِهِ رُخْصَةً مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ فِي الثَّانِي وُجِدَ السَّبَبُ لِلصَّوْمِ لَكِنَّ حُكْمَهُ مُتَرَاخٍ فَصَارَ رَمَضَانُ فِي حَقِّهِ كَشَعْبَانَ فَيَكُونُ فِي الْإِفْطَارِ شُبْهَةُ كَوْنِهِ حُكْمًا أَصْلِيًّا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُحَرِّمَ وَالْحُرْمَةَ قَائِمَانِ فَالْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ فِيهِ الْحُرْمَةُ وَلَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ كَوْنِ اسْتِبَاحَةِ الْكُفْرِ حُكْمًا أَصْلِيًّا فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِكَوْنِهِ رُخْصَةً (وَالثَّالِثُ) أَيْ الَّذِي هُوَ رُخْصَةٌ مَجَازًا، وَهُوَ أَتَمُّ فِي الْمَجَازِيَّةِ وَأَبْعَدُ عَنْ الْحَقِيقَةِ مِنْ الْآخَرِ.

(مَا وُضِعَ عَنَّا مِنْ الْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ يُسَمَّى رُخْصَةً مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا أَصْلًا. وَالرَّابِعُ) أَيْ الَّذِي هُوَ رُخْصَةٌ

ــ

[التلويح]

تَرْكُهُ حَرَامًا وَيُسْتَبَاحُ لَهُ التَّرْكُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يَفُوتُ صُورَةً لَا مَعْنًى لِبَقَاءِ اعْتِقَادِ الْفَرْضِيَّةِ.

وَفِي أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ الْمُحَرِّمُ، وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ قَائِمٌ وَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لَكِنَّ حَقَّ الْغَيْرِ لَا يَفُوتُ إلَّا صُورَةً لِانْجِبَارِهِ بِالضَّمَانِ فَيُسْتَبَاحُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ.

وَفِي التَّمْثِيلِ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ الْأَخْذِ بِالْعَزِيمَةِ، وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْعِبَادَاتِ وَفِيمَا يَرْجِعُ إلَى إعْزَازِ الدِّينِ لَكِنَّ حَقَّ الْعِبَادِ أَيْضًا كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ التَّصَلُّبِ فِي الدِّينِ بِبَذْلِ نَفْسِهِ فِي الِاجْتِنَابِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ كَانَ مَأْجُورًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَا فِي الْإِفْطَارِ، وَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لِقِيَامِ الْمُحَرِّمِ، وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ وَمَرَضٍ فَتَوَجَّهَ الْخِطَابُ. أَمَّا لَوْ كَانَ مَرِيضًا، أَوْ مُسَافِرًا فَأُكْرِهَ عَلَى الْإِفْطَارِ فَامْتَنَعَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ عَلَى الْمُبَاحِ كَالْمُضْطَرِّ إذَا تَرَكَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ حَتَّى مَاتَ.

(قَوْلُهُ: وَالْعَزِيمَةُ أَوْلَى عِنْدَنَا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْعَمَلَ بِالرُّخْصَةِ أَوْلَى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ عِنْدَهُ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ عَدَمِ التَّضَرُّرِ حَتَّى أَنَّهُ وَقَعَ فِي مِنْهَاجِ الْأُصُولِ أَنَّ الْإِفْطَارَ مُبَاحٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُسَاوٍ لِلصَّوْمِ فَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَظْفَرَ بِرِوَايَةٍ تَدُلُّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا بَلْ الْإِفْطَارُ أَفْضَلُ إنْ تَضَرَّرَ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافِ رِوَايَةٍ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِفْطَارِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ إذَا لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَكُنْ قَاتِلَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ صَدَرَ مِنْ الْمُكْرِهِ الظَّالِمِ، وَالْمُكْرَهُ الْمَظْلُومُ فِي صَبْرِهِ مُسْتَدِيمٌ لِلْعِبَادَةِ مُسْتَقِيمٌ عَلَى الطَّاعَةِ فَيُؤْجَرُ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْإِصْرِ) هُوَ الثِّقْلُ الَّذِي يَأْصِرُ صَاحِبَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ مِنْ الْحَرَاكِ إنَّمَا جُعِلَ مَثَلًا لِثِقْلِ تَكْلِيفِهِمْ وَصُعُوبَتِهِ. مِثْلُ اشْتِرَاطِ قَتْلِ النَّفْسِ فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِمْ، وَكَذَا الْأَغْلَالُ مَثَلٌ لِمَا كَانَتْ فِي شَرَائِعِهِمْ مِنْ الْأَشْيَاءِ الشَّاقَّةِ كَجَزْمِ الْحُكْمِ بِالْقِصَاصِ عَمْدًا كَانَ الْقَتْلُ أَوْ خَطَأً، وَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ الْخَاطِئَةِ، أَوْ قَرْضِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِ

<<  <  ج: ص:  >  >>