" ولمَّا أقام - سبحانه وتعالى - دلائل التوحيد والنبوة والمعاد أولا، وعقبها بذكر الإنعامات العامة داعيًا للناس عامة [يقصد قول الله - عز وجل -: يَأيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا ربَّكُم....الآية ٢١] لاسيَّما بني إسماعيل: العرب الذينَ هم قوم الدَّاعي - صلى الله عليه وسلم -، وكان الحقّ من دُعِيَ بعد الأقارب وأولاه بالتقدم أهل العلم الذين كانوا على حقٍّ، فزاغوا عنه، ولاسيّما إنْ كانت لهم قرابة؛ لأنَّهم جديرون بالمبادرة إلى الإجابة بأدْنى بيان وأيسر تذكير، فإنْ رجعوا اقتدى بهم الجاهل، فسهل أمره وانحسم شرّه، وإن لم يرجعوا طال جدالهم، فبَانَ للجاهل ضلالُهم، فكان جديرًا بالرجوع والكفّ عن غيِّه والنزوع، وعرفت من تمادي الكلام معهم الأحكام وبَانَ الحلالُ والحرامُ؛ فلذلك لمَّا فرغ من دعوة العرب الجامعة لغيرهم باختصار، وختم بأنْ وعد في اتباع الهدى وتوعَّد شرع - سبحانه وتعالى - يخصُّ العلماء من المنافقين بالذكر، وهم من كان أظهر الإسلام من أهل الكتاب على وجه استلزام عموم المصارحين منهم بالكفر، إذ كانوا من أعظم من خصَّ بإتيان ما أشار إليه من الهدى والبيان بما فيه الشفاء، وكان كتابهم المشتمل على الهدى من أعظم الكتب , وأشهرها وأجمعها , فقصّ عليهم ما مثله يليّن الحديدَ، ويخشع الجلاميد، فقال تعالى مذكرًا لهم بنعمه الخاصة بهم (يابني إسرائيل) "(١)
وهو من بعد أن يفرغ من تبيان تسلسلِ المعاني في المعقد الأول من معاقد السورة وكيف أنه قد تناسل منه الحديث في المعقد الثاني المبدوء بقول الله - سبحانه وتعالى -: