للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبيّن البقاعيّ الغاية من القصص القرآنيّ وهي بيان المعاني فإذا أديت فلا يضرّ اختلاف الألفاظ لاختلاف المقامات ذلك أنَّ الأحداث حين وقوعها تكون كاملة المعاني والله - عز وجل - عليم بها جميعها فيعبر عنها في كل مرة بما يلائم ذلك المقام والغرض المنصوب له الكلام.

في هذا إشارة إلى أن الذي يقصُّ علينا ما كان وما يكون إنَّما هو العليم الخبير - جل جلاله -، فهو العليم بدقائق ولطائق المعاني المكنونة في الصدور التي يقص أخبارها وما كان منها ومكا سيكون، وهو العليم بما يملك لسان العربية من قدرات الإبانة عن لطائف المعاني وشواردها وأوابدها، فيصطفي في كلّ مرة من النظوم ما ينقل إلينا جانبًا من جوانب المعنى بحيث يكون ذلك المنقول إلينا هو المتناسب مع السياق والغرض المنصوب له الكلام، لأنّ ذلك القصص له غاية تثقيفية تربوية تهذيبية هي المعيار في الاصطفاء معنى وصورة معنى

وأكثر ما قصّه القرآن الكريم من قصص لم يكن المخبر عنه المحكي أخبارهم بالناطقين بلسان العربيّ ولكن القرآن الكريم قد صور بلسان العربية المبين دقائق معانيهم القائمة في ألسنتهم الأعجمية وما كان من المعاني مكنونا في صدورهم التي خلقها الله - عز وجل - وعلم خفاياها

{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَو اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللطيف الخبير} (الملك:١٣-١٤)

{يِعْلَمُ خائِنَة الأعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر:١٩)

فلم يدع بيان القرآن الكريم بلسان العربية المبين من معاني المقصوص خبرهم شيئًا بل صورها تصويرًا معجزًا

{مَا كَانَ حَدِيثًًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْء} (يوسف:١١١)

إنها الآية الجامعة الخاتمة المقررة حقيقة القص القرآني المجيد

***

<<  <   >  >>