وهذا وجه من وجوه "الواو" التى يمكن أنْ نقولَ إنَّها مما استأنف بما بعدها حديثٌ عن البيع من بعد الانتهاء من الحديث عن المداينة، لما بين التصرفين من علائق لطيفة , فهو من عطف القصة على قصّة ذات رحم موصولة بينهما فيكون السياق الأبسط للمعنى القرآني ذا مراحل خمس:
مرحلة الحديث عن الصدقات (ي:٢٦١-٢٧٤)
ومرحلة الحديث عن الربا (ي:٢٧٥-٢٨١)
ومرحلة الحديث عن المداينة (ي:٢٨٢)
ومرحلة الحديث عن المبايعة (ي:٢٨٢)
ومرحلة الحديث عن الرهن (ي:٢٨٣)
كان الحديث عن المرحلتين الأخيرتين موجزًا وعن المراحل الثلاث الأولى مبسوطا
وجعل الحديث عن الربا مكنوفا بالحديث عن تصرفين ماليين جليلين لا يُعنى بحظه منهما من العباد إلا من كان عظيم الإيمان بالغيب:الإيمان بالبعث واليوم الآخر، وذلك هو رأس المعنى الكليّ والمقصود الأعظم لسورة " البقرة"
وضمَّ الحديث عن المبايعة مع الحديث عن المداينة في آية واحدة من أنّ المداينة في وجه من وجوهها ضرب من ضروب المبايعة إلا أنّها مع الله - سبحانه وتعالى - فهو الذي تكفل بالمقابل ومن ثم حرمت الفائدة المأخوذة من المدين منّ أنّ عقد الدين في أصله عقد مع الله - جل جلاله - وليس مع المدين،فالله تعالى متحمل عن المدين ما هو مقابل للدين، ومن ثمّ كان ثواب القرض الحسن أعلى من ثواب الصدقة.
وثمّ إشارة أخرى لأهل الإحسان:
في كل مبايعة شرعية متأدبة بآدب النبوة مداينة
روى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله أنَّ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا قال:
" رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحًا إذا بَاعَ،وإذا اشْتَرَى وإذَا اقْتَضَى "
(البخاري - ك:البيوع - باب:السهولة والسماحة في البيع والشراء)
فكأنَّ ما سامح فيه مبايعة وشراء إنّما ناظر إلى جزائه في الآخرة.