(٢) - وأنت إذ تنظر في كلمة " عبد القاهر" هذه التي يقدَّم بها قوله في الحذف تجدها مغرية بالنظر في طريق دلالة الحذف على المعنى أيْ أنّه يغريك بأن تنظر في الحذف من جهة دلالته على معانيه، وهذا هو المنهج الذي يقوم عليه ما يسميه البلاغيون علم البيان، هو لايغريك بالنظر في تركيب وتأليف صورة المعنى على منهاج الحذف بقدر ما يغريك بالنظر في طرائق دلالة هذه الصورة على المعنى، وكأنّه يحرضك على أن ترابط مجاهدًا في ثغرة قلّ فيها المرابطون: ثغرة تأويل وتدبر طرائق دلالة صورة المعنى عليه
والحقّ أنَّا مستهترون بتأمل طرائق تأليف وتركيب صور المعاني، أكثر من عنايتنا بتأمل وتدبّرطرائق دلالة تلك الصور على معانيها. وأنت إذ تنظر في بيان عبد القاهر معنى الفصاحة والبلاغة والبراعة والبيان وما شاكل ذلك تجده قد جعل أصل خصال هذه الحقيقة حسن الدلالة وتمامها، والنَّظرُ في حسن الدلالة نظرٌ في منهاج علم البيان عند المتأخرين. وأنت إذ تنظر في بيان " الرمانيّ من قبله معنى البلاغة في كتابه (النكت) تجده جاعلا أصل حقيقتها من حسن دلالتها إذ يقول: البلاغة إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ. أرأيت إلى قوله (إيصال المعنى إلى القلب) أليس هذا حديثا في الدلالة وليس في الدال أو المدلول؟ ... أليس اسم البلاغة مشتقا من إلإبلاغ الذي هو الإيصال الذي هو الدلالة ... ؟..