للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد يكون من وراء حذف كلمة أوحرف ... ما يدفق إلى قلبك فيضا من المعانى، وإلى سمعك فيضا من المغانى، والمتلقى البليغ في تلقيه، والبديع في قراءة البيان مشغوف بمغانى الكلام شغفه بمعانه، ولاسيما بيان الوحي المعجز الكريم، فإنَّ من مغانيه غيثًا من معانيه

ولا يتسع المقام هنا لتفصيل صور من تأويل البقاعيّ اسلوب الحذف في القرآن الكريم ومدلولات ذلك الحذف ووجه دلالته عليها، ولكن الذي يلفت نظر قارئ تفسيره عنايته بضرب من ضروب الحذف لايعنى به كثير من المفسرين والبلاغيين، وإن كان النظر إليه قديمًا قدم التفكير والتدبر البيانيّ لبيان العربية عمومًا وبيان القرآن الكريم خصوصًا وهو ما يسمّى: "الحذف التقابليّ"، أو" الاحتباك ".

كانت للبقاعيّ عناية بالغة بليغة بتأويل هذا الأسلوب، ولو أنَّا جمعنا مقالاته فيه في تفسيره لكان لنا من ذلك سفر يكون لنا عوضًا عن كتابه الذي صنفه وألفه فيه وسماه (الإدراك لفن الاحتباك) . (١)


(١) - يقول السيوطي في كتابه: (التحبير في علم التفسير) " النوع الثالث والسبعون: الاحتباك
هذا النوع من زياداتي وهو نوع لطيف ولم نر أحدًا ذكره من اهل المعاني والبيان والبديع وكنت تأملت قوله تعالى: (لايرونّ فيها شَمْسًا ولا زَمْهَرِيرًا) (الإنسان:١٣) والقولين اللذين في الزمهرير، فقيل هو القمر في مقابلة الشمس، وقيل هو البرد فقلت لعل المراد به البرد، وأفاد بالشمس أتّه لاقمر فيها، وبالزمهرير أنه لاحرّفيها فحذف من كلّ شق مقابل الآخر. وقلت في نفسي: هذا نوع من البديع لطيف لكني لا أدري ما اسمه ولا أعرف في أنواع البديع ما يناسبه حتى اقادني بعض الأئمةالفضلاء [يقصد شيخه البقاعيّ] أنّه سمع بعض شيوخه قرر له مثل ذلك في قوله تعالى (فئةٌ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة) (أل عمران:١٣) .......

قال: وهذا النوع يسمى بالاحتباك. قال الإمام الفاضل المذكور: وتطلبت ذلك في عدة كتب فلم اقف عليه وأظنه في شرح الحاوي لابن الأثير، ثُمّ صنّف المذكور في هذا النوع تأليفًا لطيفًا سماه (الإدراك في فن الاحتباك)
...... ثُمَّ وجدتُ هذا النوع بعينه مذكورًا في شرح بديعية أبي عبد الله بن جابر لرفيقه أحمد بن يوسف الأندلسي، وهما المشهوران بالأعمى والبصير، قال مما نصّه:
" من أنواع البديع: " الاحتباك" وهو نوع عزيز، وهو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول، كقوله تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ... ) (البقرة:١٧١) التقدير: مثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به، فحذف من الأول: الأنبياء لدلالة الذي ينعق عليه، ومن الثاني: الذي ينعق به لدلالة الذين كفروا عليه ... ) (التحبير للسيوطي:١٢٨ -١٢٩ - ط: دار الكتب العلمية:١٤٠٨ - بيروت
وانظر معه: " طراز الحلة وشفاء الغلة لأبي جعفر الرعيني الغرناطي - ص:٥٠٨ - ت: رجاء السيد الجوهري - مؤسسة الثقافة الجامعية - الاسكندرية، وانظر البرهان للزركشي:٣/١٢٩، والإتقان للسيوطي:٣/١٨٢، شرح عقود الجمان ١٣٣..

<<  <   >  >>