للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" لمَّا كانت النفقة من أصول ما بنيت عليه السورة من صفات المؤمنين {ومما رزقناهم ينفقون} ثُمَّ كرر الترغيب فيها في تضاعيف الآي إلى أنْ أمر بها في أوّل آيات الحج الماضية آنفا [ي:١٩٥-١٩٧] مع أنّها دعائم بدايات الجهاد إلى أن تضمنتها الآية السالفة [ي:٢١٤] مع القتل الذي هو نهاية الجهاد كان هذا موضع السؤال عنهما، فأخبر تعالى عن ذلك على طريق النشر المشوش، وذلك مؤيد لما فهمته في البأساء والضراء، فإنّ استعماله [أي المشوش] في القرآن أكثر من المرتّب فقال معلمًا لمن سأل: هل سأل المخاطبون بذلك عنهما؟ (يسألونك ماذا..ينفقون ... " (١)

يذهب البقاعيّ إلى أنّ البأساء أكثر استعمالا في الحرب والضراء أكثر ما تستعمل في الأموال، وهذا منه إشارة إلى المنهج الإحصائي التأويلي الذي يستجمع شواهد الظاهرة البيانية في الخطاب المتدبّر كلّه ليقف المتدبّر على ما هو الغالب على الخطاب في سنّته البيانيّة ليتّخذ المتدبّر من ذلك منهاجه في التَّأويل على ما هو الغالب على ذلك البيان

وأنت إذا ما نظرت في دلالة مادة البأساء في البيان القرآنيّ وجدتها لما اصاب الجسد (النساء: ٨٤، والنحل:٨١، والإسراء: ٥، والأنبياء: ٨٠، والنمل: ٢٣، والحديد: ٢٥)

وإذا نظرت في مادة "الضراء" وجدتها لما أصاب المال (البقرة:٢٣٣، وآل عمران: ١٣٤، ويوسف: ٨٨، والطلاق:٦)

فما ذهب إليه البقاعيّ أعلى وأليق بالبيان القرآنيّ ٠

وإذا ما نظرت في سياق الآيات التي قال فيها البقاعيّ بالنشر المشوَّش ألفيت أنّ سورة "البقرة" قد كثر فيها الحديثُ عن الإنفاق، وجعلته أصلا من صفات المتقين، وقد تقدم في السورة البلاء في الأموال على البلاء في النفس (ي١٥٥) وتحدثت عن الإنفاق (ي:١٧٧، ٢٦١، ٢٦٢، ٢٦٥، ٢٧٤)


(١) – نظم الدرر:٣/٢١٢- ٢١٣

<<  <   >  >>