للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبَِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (االجاثية:٢٣)

يقول في آية البقرة: " ولمّا سوّى بين الإنذار وعدمه كانت البداءة بالقلوب أنسب تسوية لهم بالبهائم، ولمّا كان الغبيّ قد يسمع أو يبصر، فيهتدي، وكان [الإحتياج] إلى السمع أضر لعمومه، وخصوص البصر بأحوال الضياء نفى السمع ثمّ البصر تسفيلا لهم عن حال البهائم، بخلاف ما في " الجاثية " فإنّه لمّا أخبر فيها بالإضلال، وكان الضال أحوج شيءٍ إلى سماع الهادي نفاه، ولمّا كان الأصم ذا فهم أو بصر أمكنت هذايته وكان الفهم أشرف نفاهما على ذلك الترتيب" (١)

ويقول في تأويل آية "الجاثية": " ولمَّا كان الضالّ أحوج إلى سماع صوت الهادي منه إلى غيره، وكان من لاينتفع بما هو له في حكم العادم له قال: (وختم) أي زيادة على الإضلال الحاضر (على سمعه) فلا فهم له في الآيات المسموعة.

ولمَّا كان الأصم قد يفهم بالإشارة قال (وقلبه) أي فهو لايعي ما من حقه وعيه. ولمَّا كان المجنون الأصم قد يبصر مضاره ومنافعه فيباشرها مباشرة البهائم قال (وجعل على بصره غشاوة) فصار لايبصر الآيات المرئية

وترتيبها هكذا؛ لأنها في سياق الإضلال كما تقدم في "البقرة". " (٢)

بيّن أن البقاعي لم يتوقف في تأويل مشتبه النظم في الآيتين إلا عند التشابه في الترتيب بين القلب والسمع والبصر، إذ قدَّمَ السمع على القلب في الجاثية من بعد أن كان مقدما القلب.


(١) - نظم الدرر: ج١/٩٦
(٢) - السابق: ج ٨/٩٦-٩٧..

<<  <   >  >>