ويبقى ما في آية " آل عمران" والسياق للحديث عن المؤمنين وهم مزكون من الشرك، فكان مقتضى الظاهر أن تؤخر التزكية على التعليم كما كان في دعاء سيدنا إبراهيم - عليه السلام - ولكن البقاعيَّ يلحظُ أمرًا مُهِمًّا،وهو أنَّ آية " آل عمران" جاءت في سياق عتاب المؤمنين في شأن الغنائم يوم أحد، فهذا منهم أمر عظيم هم مفتقرون إلى التزكية منه أولا ثُمّ يأتي تعليم الكتاب والحكمة ترقية لهم وتطهيرًا مما لا يليق بهم وإن كانوا مطهرين من الشرك.
اختلاف مدلول التزكية ومن كان الخطاب بشأنه هو المقتضي التقديم والتأخير.
يقول"البقاعي" في آية "البقرة":
" ولمّا طلب ما هو له في منصبِ النّبوةِ من تعليمِ اللهِ - عز وجل - له المناسكَ بغير واسطة طلب لذريته مثل ذلك بواسطة من جرت العادة لأمثالهم فقال (ربنا وابعث فيهم) أي الأمة المسلمة التي من ذريتي وذرية ابني إسماعيل (رسولا منهم) ... وذلك الرسول هو محمد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، فإنّه لم يبعث من ذريتهما بالكتاب غيره..... (يتلو ... عليهم آياتك ... ويعلمهم الكتاب ... والحكمة ...
ولمَّا كان ظاهر دعوته - عليه السلام - انّ البعثَ في الأمة المسلمة كانوا إلى تعليم ما ذكر أحوج منهم إلى التزكية، فإنّ أصلها موجود بالإسلام، فأخر قوله (ويزكيهم) أي يطهر قلوبهم بما أُوتي من دقائق الحكمة فترقى بصفائها ولطفها من ذروة الذِّين إلى محلّ يؤمنُ عليها فيه أنْ ترتدَّ على أدبارها وتحرّف كتابها كما فعل من تقدمها.....
ولمَّا ذكر - سبحانه وتعالى - في سورة"الجمعة" بعثَه في الأميين عامة اقتضى المقام تقديم التزكية التي رأسها البراءة من الشرك الأكبر؛ ليقْبَلوا ما جاءهم من العلم..