للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس يخفى أن اتفاق الرواة في آية البقرة إنما هو توقيف، لامواضعة، ومثله اختلاف الروايات بالفك والإدغام في المائدة توقيف.

ومن ثَمَّ كان عَلِيًّا النظر في مقتضي تعدد صورة الأداء في المائدة وتوحدها في سورة البقرة

يقول البقاعي في تدبر آية البقرة: " وإجماع القراء على الفك هنا للإشارة إلى أنَّ الحبوط مشروط بالكفر ظاهرًا باللسان وباطنا بالقلب، فهو مُلِيحٌ بالعفوِ عن نطق اللسان مع طمانينة القلب.

وأشارت قراءة الإدغام في (المائدة) إلى أنَّ الصبر أرفع درجة من الإجابة باللسان وإن كان القلب مطمئنا " (١)

ويقول في سورة المائدة: " ولمَّا نهى عن موالاتهم وأخبر أنَّ فاعلها منهم نفى المجاز مصرحا بالمقصود، فقال مظهرا لنتيجة ما سبق (يا أيها الذين آمنوا) أي أقروا بالإيمان من يوالهم منكم هكذا كان الأصل، ولكنه صرح بأنَّ ذلك ترك الدين، فقال (من يرتد) ولو على وجه خفي بما أشار إليه الإدغام في قراءة من سوى المدنيين وابن عامر (منكم عن دينه........" (٢)

آية البقرة في سياق الحكم بإحباط عمل المرتد عن الاسلام في الدنيا والآخرة، وهذا لايكون إلا لمن ارتد ظاهرًا باللسان وباطنا بالقلب، والآية قد نصت بالعبارة على الارتداد الباطنيّ بالقلب في قوله: (فيمت وهو كافر) فبقي الارتداد الظاهري فكان الأداء هو الدال عليه، فالفَكُّ لازم هنا لأن في الفَكِّ إظهارٌ وهو عملٌ لسانيٌّ مما يُلِيحُ إلى التناسب الدقيق في الإشارة.

ففي الآية جمع بين شرطي إحباط العمل بالردة: الردة ظاهرًا مدلولا عليها هنا بفك الإدغام والردة باطنا مدلولا عليه بالعبارة (فيمت وهو كافر)

وعجيب أن الردة الباطنة دل عليها بالعبارة، والردة الظاهرة دلَّ عليها بأداء العبارة (فك الإدغام)


(١) - نظم الدرر:٣/٢٣٢-٢٣٣
(٢) - السابق:٦/١٩٠-١٩١..

<<  <   >  >>