للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاء البيان كما ترى في سورة البقرة بقوله (انفجرت) وفي سورة الأعراف (انبجست) وغير خفيّ أنهما ليسا سواء في مدلولهما، فالانفجار أعظم من الانبجاس فما أثر السياق في اصطفاء كلّ كلمة في سياقها؟

يقول "البقاعي": " وما أنسب ذكر الانفجار هنا بعد ختم ما قبل بالفسق لاجتماعهما في الخروج من المحيط: هذا خروج يحيي، وذاك خروج يميت.

قال " الحرالّيّ ": الانفجار انبعاث وحي من شيءٍ مُوعَى أو كأنّه موعَى انشق وانفلق عنه وعاؤه ومنه الفجر وانشقاق الليل عنه "انتهى

ولأنّ هذا سياق الامتنان عبر بالانفجار الذي يدور معناه على انشقاق فيه سيلان وانبعاثٌ مع انتشارٍ واتساعٍ وكثرةٍ.

ولمَّا لم يكُنْ سياق "الأعراف" للامتنان عبّر بالانبجاس الذي يدورمعناه على مجرد الظهور والنبوع" (١)

فالسياق هو الذي اقتضى اصطفاء الانفجار في سورة "البقرة" وهو الذي اقتضى اصطفاء الانبجاس في سورة" الاعراف"

وأنت إذا نظرت في دائرة السياق القريبة في سورة "البقرة" تجده قد بدأ من الآية الأربعين: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} بالامتنان على بني إسرائيل بذكر ما أفاض عليهم من النعم غير انّه لم يكن منهم إلا تماديا في الضلالة تنفيرًا للأمَة المحمدية من ان تقتدي بمنهاجهم وشرعتهم

أمَّا السياق القريب في سورة "الأعراف" فإنّه ظاهر في تصوير إسراع بني إسرائيل في الضلالة، تراه يبدأ بقوله - سبحانه وتعالى -:

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَملئهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (لأعراف:١٠٣)

فكان الأليق الأنسب بسياق آية سورة "البقرة" اصطفاء الكلمة الأدلّ على قوة الحدث (انفجرت) بخلاف سياق آية سورة "الأعراف"

***


(١) - نظم الدرر:١ /٤٠٤..

<<  <   >  >>