للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما إمام الحرمين، فقد استدل على كون المناسبة حجة بتمسك الصحابة - رضي الله عنهم - بها، حيث كانوا يلحقون غير المنصوص عليه بالمنصوص، إذا غلب على ظنهم أنه يشبهه١.

لكن يرد على هذا ما ذكره الأصفهاني في الرسالة البهائية أنه "ما نقل إلينا أنهم كانوا يتمسكون بكل ظن غالب، فلا يبعدان يتعبدنا بنوع من الظن الغالب، ونحن لا نعلم ذلك النوع، ثم قال: الأولى الاعتماد على العمومات كقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} ٢، وقول معاذ: "اجتهد رأى"٣.

وأجاب عنه الزركشي بقوله: "والحق أن استقراء أحكام الشرع دل على ضبط هذه الأحكام بالمصالح، وهذا كاف فيما يرومه، وذلك بفضل الله جل اسمه، لا وجوباً عليه خلافاً للمعتزلة في وجوب رعاية الأصلح"٤.

ثم قال إمام الحرمين مبيناً وجه دلالة المناسبة على العلية: "إذا ثبت حكم في أصل، وكان يلوح في سبيل الظن استناد ذلك إلى أمر، ولم يناقض ذلك الأمر شيء، فهذا هو الضبط الذي لا يفرض عليه مزيد، فإذا أشعر الحكم في ظن الناظر بمقتضى استناداً إليه، فذلك المعنى هو المظنون علماً وعلة، لاقتضاء الحكم، فإذا ظهر هذا وتبين أن الظن كاف، وتوقع الخطأ غير قادح، ولا مانع من تعليق الحكم، كان ذلك كافياً بالغاً.

ومما يعضد به الغرض: أن كل حكم أشعر بعلة ومقتضى، ولم يدرأه أصل في الشرع، فهو الذي يقضي بكونه معتبر النظر، فالشارع ما أشار إلى جميع الأحكام، واستنبط نظار الصحابة رضي الله عنهم، وكانوا يتلقون نظرهم مما ذكرت قطعاً.

فإن قيل: فالإخالة مع السلامة إذن هي الدالة؟ قلنا: لا، ولكن إذا ثبت


١ انظر: البرهان ص ٢٢٤ خ.
٢ سورة الحشر آية: ٢.
٣ انظر: المحصول ٣/٢٥٠-٢٥١، والحديث أخرجه أبو داود ٢/٢٧٢.
٤ انظر: البحر المحيط ٣/١٥١.

<<  <   >  >>