٢ - إن من أخذت منهم تلك الضرائب اليسيرة، لو تنقطع عنهم شوكة السلطان يستحقرون - بالإضافة إلى ما قد يصيبهم من ظلم الظلمة في نفوسهم وأموالهم - ما لو أخذت أموالهم كلها فضلاً عن الجزء اليسير منها.
فلو عورض هذا الضرر العظيم، بالضرر اليسير اللاحق لهم في حياتهم بأخذ اليسير من أموالهم فلا يتمارى في ترجيح الثاني على الأول.
وهو مما يعلم قطعاً من مقصود الشرع قبل النظر في شواهد الشرع في حماية الدين والدنيا، فهذا وجه ملاءمتها لمقاصد الشرع.
والملاءمة الثانية هي أن الأب في طفله، والوصي في من هو موصى عليه مأمور برعاية الأصلح له، وهو يصرف ماله في وجوه من النفقات والمؤمن في الغرامات، وكل ما يراه سبباً في تنمية ماله وحفظه من التلف، جاز له صرف المال في تحصيل ذلك.
ومصلحة حفظ الإسلام والمسلمين لا تتقاصر عن مصلحة طفل واحد، ونظر الإمام في رعاية حفظ الإسلام والمسلمين لا يتقاصر عن نظر فرد واحد في حق من ولي أمره.
ولو وطئ الكفار دار الإسلام، وجب على الكافة دفعهم، ولو دعاهم الإمام إلى الجهاد لزمتهم الإجابة، وفي ذلك إتعاب النفوس، وتعريضهم إلى الهلكة، زيادة على إنفاق المال، وليس هذا إلا لحماية الدين والمسلمين.
فهذه ملاءمة صحيحة تفيد القطع في هذه الصورة؛ لأنها في محل الضرورة، فلا يصح الحكم فيها إلا مع وجودها١.
وعلى هذا فلا يقال: إنّ القول بهذه المصلحة قول مجرد عن الدليل بل قول بمصلحة شهدت لها نصوص الشرع بما يفيد القطع، والله تعالى أعلم.
١ انظر: شفاء الغليل ص ٢٣٧ فما بعدها، الاعتصام ٢/١٢١-١٢٢.