للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - إذا طبق الحرام الأرض:

ذهب الملكية إلى أنه إذا طبق الحرام الأرض، أو ناحية منها بحيث يعسر الانتقال منها، وانسدت طرق المكاسب، ومست الحاجة إلى الزيادة على سد الرمق، فإن ذلك يسوغ الزيادة على قدر الضرورة، ويرتقي إلى قدر الحاجة في القوت والملبس والمسكن، إذ لو اقتصر على سد الرمق لتعطلت المكاسب والأشغال، ولم يزل الناس في مقاسات إلى أن يهلكوا وفي ذلك خراب الدين، لكنه لا ينتهي إلى الترفه والتنعم، كما لا يقتصر على قدر الضرورة.

وقد أوضح الشاطبي رحمه الله وجه ملاءمة هذا القول بقوله: "وهذا ملائم لتصرفات الشرع، وإن لم ينص على عينه، فإنه قد أجاز أكل الميتة للمضطر، ولحم الخنزير وغير ذلك من الخبائث المحرمات"١.

وبمثل قول المالكية قال الغزالي رحمه الله في كتابه المنخول وشفاء الغليل، وإليك نص كلامه فيهما، قال في المنخول: "لو فرضنا انقلاب أموال العالمين بجملتها محرمة لكثرة المعاملات الفاسدة واشتباه المغصوب بغيره، وعسر الوصول إلى الحلال المحض، وقد رفع، فما بالنا بقدر تبيح لكل محتاج أن يأخذ مقدار كفايته من كل مال، لأن تحريم التناول يفضي إلى القتل، وتجويز الترفه والتنعيم في محرم، وتخصيصه بمقدار سد الرمق، يكف الناس عن معاملاتهم الدينية والدنيوية، ويتداعى ذلك إلى فساد الدنيا وخراب العالم وأهله فلا يتفرغون وهم على حالتهم مشرفون على الموت إلى صناعاتهم وأشغالهم والشرع لا يرضى بمثله قطعاً"٢.

ويقول في شفاء الغليل: "فإن قال قائل: لو طبق الحرام طبقة الأرض ... وانحسمت وجوه المكاسب الطيبة على العباد، ومست حاجتهم على قدر الزيادة على قدر سد الرمق من الحرام، ودعت المصلحة إليه، فهل يسلطون على تناول


١ انظر: الاعتصام ٢/١٢٥.
٢ انظر: المنخول ص ٣٦٩.

<<  <   >  >>