للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدر الحاجة من الحرام لأجل المصلحة؟. فإذا أبيتم ذلك خالفتم وجه المصلحة، وإن رأيتم ذلك اخترعتم أمراً بدعاً، لا يلائم وضع الشارع.

قلنا: إن اتفق ذلك ... فيجوز لكل أحد أن يزيد على قدر الضرورة، ويترقى إلى قدر الحاجة في الأقوات والملابس والمساكن، لأنهم لو اقتصروا على سد الرمق لتعطلت المكاسب وانبتر النظام، ولم يزل الخلق في مقاساة ذلك إلى أن يهلكوا، وفيه خراب أمر الدين، وسقوط شعائره، فلكل أحد أن يتناول مقدار الحاجة، ولا ينتهي إلى حد الترف، والتنعم والشبع، ولا يقتصر على قدر الضرورة.

وقول القائل: إن هذا غير ملائم للشرع، فليس الأمر كذلك، فإن الشرع سلط على أكل لحم الخنزير، وهو أخبث المحرمات عند الضرورة، ولكن اختلف العلماء في أنه هل يقتصر على حد الرمق، أو يتناول قدر استقلال وتلاقي القوة، والحاجة العامة - في حق كافة الخلق - تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق الشخص الواحد، والحاجة عامة إلى الزيادة على سد الرمق"١.

فهذان النصان دلا على أن ما فوق الضرورة مصلحة مرسلة لم يتضمنها النص الدال على تناول الحرام لصيانة النفس عن الهلاك في قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} ٢ الآية، إذ سد الرمق يمنع إتلاف النفس، وما زاد على ذلك حاجة، إلا أنها ملائمة لتصرفات الشارع، إذ في الاقتصار على سد الرمق تعطيل المكاسب، وهو يؤدي إلى الهلاك، والهلاك يؤدي إلى فوات المحافظة على النفس الذي هو مقصد دل الشرع على طلب حفظه.

قال الشاطبي: "ولذا أجاز العلماء أخذ مال الغير عند الضرورة أيضاً، فما نحن فيه لا يقصر عن ذلك"٣.


١ انظر: شفاء الغليل ص ٢٤٥-٢٤٦.
٢ سورة المائدة آية: ٣.
٣ انظر: الاعتصام ٢/١٢٥.

<<  <   >  >>