للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مصير منه إلى الأخذ بالمصلحة الملائمة لجنس تصرفات الشارع، وإن لم يشهد لها نص معين غير أنها تدخل تحت أصل كلي شهد الشرع باعتباره.

وقد ذكر الشاهد لاعتبار هذا الأصل بالكلي بقوله: "وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركاً له في عبد وكان له من المال ما لم يبلغ ثمن العبد - قوم عليه قيمة عدل، لا وكس، ولا شطط فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد" ١.

ثم قال: "وصار هذا الحديث أصلاً في جواز إخراج الشيء من ملك صاحبه قهراً بثمنه للمصلحة الراجحة، كما في الشفعة"٢.

وخرج على هذا الأصل أنه "إن احتاج الناس إلى صناعة طائفة كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك - فلولي الأمر أن يلزمهم بذلك بأجرة المثل، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك"٣.

ثم يستدل على رجوع هذه المصلحة إلى أصل كلي مأخوذ من نصوص الشرع بقوله: "وفي السنن أن رجلاً كانت له شجرة في أرض غيره، وكان صاحب الأرض يتضرر بدخول صاحب الشجرة، فشكى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يقبل بدلها، أو يتبرع له بها، فلم يفعل، فأذن لصاحب الأرض أن يقلعها وقال لصحاب الشجرة: "إنما أنت مضار" ٤.

وصاحب الشرع أوجب عليه إذا لم يتبرع بها أن يقلعها، لما في ذلك من مصلحة صاحب الأرض بخلاصه من تأذيه بدخول صاحب الشجرة ومصلحة صاحب الشجرة بأخذ القيمة وإن كان عليه في ذلك ضرر يسير، فضرر صاحب الأرض ببقائها في بستانه أعظم.


١ انظر: المرجع السابق ص ٣٠٣، والحديث أخرجه البخاري مع الفتح ٥/١٥٦، م ٥/٩٥.
٢ المصدر السابق ص ٣٠٤.
٣ انظر: المصدر السابق ص ٢٨٩.
٤ أخرجه أبو داود ٢/٢٨٣.

<<  <   >  >>