للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للعقل فيه مجال إلا الاجتهاد والنظر في أدلة الشرع، ومن فيه أهلية الاجتهاد فله أن ينظر في أدلة الشرع، ليستنبط منها ما يؤديه إليه عقله واجتهاده.

فالقول المناسب المرسل إنما هو قول بمصالح مندرجة تحت مصالح عامة شهدت لها نصوص الشرع وقواعده، ومثل هذا ليس من الظن المحض الذي لم يستند إلى دليل.

فإن قيل: إن المعتبر من الأدلة، هو ما أفادته النصوص بدلالاتها أو حمل على ما أفادته بالقياس، وما عدا ذلك فليس معتبراً دليلاً شرعياً، أجيب بأن الشارع أقر الاجتهاد عند فقد نص الكتاب والسنة من غير قيد في الاجتهاد بكونه إلحاف فرع بأصل، فهو شامل للاجتهاد المصلحي، فيكون العمل بالمصلحة عملاً بالظن المعتبر، لدخوله في الاجتهاد الذي أذن فيه الشارع١.

الدليل الرابع: قالوا: "لو جاز ذلك - أي الحكم بالمصلحة المرسلة - لكان العاقل ذو الرأي العالم بوجوه السياسات إذا راجع المفتين في حادثة وأعلموه أنها ليست منصوصة، ولا أصل لها يضاهيها يجوز له حينئذ العمل بالأصوب عنده واللائق بطريق الاستصلاح، وهذا صعب لا يجترئ عليه متدين"٢.

وأجيب عنه: بأن "المصلحة المرسلة هي ما لم يرد فيها دليل بالاعتبار ولا بالإلغاء ومصلحة هذا وصفها تجل عن أن يحوم حولها العلماء الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد، فضلاً عن العامة والدهماء"٣، فليس كل ما يبدو للعقل أنه مصلحة يدخل في قبيل المصالح المرسلة، وتبني عليه الأحكام، وإنما هي المصالح التي يتدبرها من هو أهل لتعرف الأحكام من مآخذها حتى يثق بأنه لم يرد في الشريعة شاهد على مراعاتها أو إلغائها٤.


١ انظر: رأي الأصوليين في المصلحة المرسلة والاستحسان ص ١٩٤-١٩٥، مع تصرف.
٢ انظر: المصدر السابق ص ١٩٣، نقلاً عن شرح القرافي للمحصول ٣/٢٠١.
٣ انظر: المصدر السابق ص ١٩٨ نقلاً عن تعليل الأحكام للشيخ شلبي ص ٢٧٥.
٤ انظر: المصدر السابق ص ١٩٨، نقلاً عن رسائل الإصلاح ٢/٦٦.

<<  <   >  >>