للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصلحة غالبة على المفسدة ومعلوم أن كل مصلحة كذلك معتبرة شرعاً لزم ظن أن هذه المصلحة معتبرة، والعمل بالظن واجب"١.

فظهر أن لحوقها بكل من المعتبرة والملغاة ليس على السواء حتى يلزم عليه عدم الدليل، بل دل الدليل على أن لحوقها بالمعتبرة أرجح، والله أعلم.

الدليل الثالث: ما استدل به الزنجاني٢ للقاضي ومن معه في منع الاستدلال بجنس المصلحة قال: "إن الأصل أن لا يعمل بالظن، لما فيه من خطر فوات الحق إذ الإنسان قد يظن الشيء مفسدة وهو مصلحة، وقد يظنه مصلحة وهو مفسدة، غير أنا صرنا إلى العمل به عند الاستناد إلى أصل خاص، وهو الإجماع وبقينا فيما عدا ذلك على مقتضى الأصل"٣.

ومراده أن العمل بالمصلحة المجردة على الدليل عمل بالظن، والأصل عدم العمل بالظن؛ لأنه لا يؤمن فيه من الوقوع في الخطأ، وذلك لأن الإنسان لقصوره قد يرى ما يظنه مصلحة، وهو في الواقع مفسدة، وما يظنه مفسدة، وهو في الواقع مصلحة، والعمل بالظن في الشرع إنما جاز للاستناد إلى الدليل.

وذلك أن المجتهد إذا أعمل فكره في أدلة الشرع، وأداه فكره إلى ظن حكم شرعي، جاز له العمل به، للإجماع على جواز العمل بالظن المستند إلى دليل شرعي، ومنع العمل بالمصلحة التي لم تستند إلى دليل شرعي على ما هو الأصل من منع العمل بالظن المجرد عن الدليل، أجيب عنه بأنه وإن سلم أن الظن الذي لا مستند له إلا اتباع الهوى أنه لا يغني من الحق شيئاً، فإن الظن هنا وإن دخل في جنس الظن، غير أنه هنا مستند إلى قواعد الشرع، وأدلته العامة، وليس


١ انظر: منهاج العقول مع نهاية السول ٣/١٣٦.
٢ هو: أبو المناقب محمود بن أحمد الزنجاني الشافعي أحد الأعلام، درس بالنظامية ثم المنتصرية، وعلا شأنه في اللغة وعلم الخلاف والأصول والتفسير حتى صار من بحور العلم، من مؤلفاته تخريج الفروع على الأصول، توفي سنة ٦٥٦هـ.
انظر: مقدمة كتابه تخريج الفروع على الأصول لمحمد أديب صالح ص ١١.
٣ انظر: تخريج الفروع على الأصول ص ٣٢٤.

<<  <   >  >>