للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن كان يريد بكون رعاية المصلحة أمراً حقيقياً أن أصل اتباع المصالح في التشريع بحيث يلجأ المجتهد عند نزول الواقعة إلى معرفة حكمها بناء على تحقيق مناطها باعتبار أدلة الشرع، وشهادة نصوصه لها، فهذه الحقيقة متفق على رعايتها، "ولكنها ليست هي التي يقع بها التعارض مع النص على فرض صحة وقوعه، وإنما يكون التعارض بما يوجد من صور جزئية لها في الخارج"١.

لكننا نقول: إن النصوص الشرعية أمر حقيقي في نفسه، هو كذلك لا نختلف فيه، فإذا نزلت النازلة لجأ الفقيه إلى عرض الواقعة عليها، وهذا أمر لا يقتضي اختلافاً ما دامت الوسيلة إلى معرفة الحكم في الواقعة المستجدة هي تحقيق مناط النص الشرعي على الوقائع، وتطبيقها على الجزئيات، فكل من النص والمصلحة أمر حقيقي لا يختلف فيه بهذا المعنى.

فإذا كان الطوفي يقصد بكون رعاية المصلحة أمراً حقيقياً في نفسه لا يختلف فيه الخ، هذا المعنى فلا خلاف معه في هذا القدر، إذ الفرض عدم الخلاف، ولكن استدلال الطوفي لا يستقيم ما دام يعتبر النصوص تعادل المصلحة٢.

"وأما إذا كان الطوفي لا يقصد برعاية المصالح تحقيق مناط الأصل في الوقائع، وتطبيقه على الجزئيات بحيث تعرض الواقعة التي يراد معرفة حكم الشرع فيها على المجتهدين في الأمة ليحكموا فيها وفق المصلحة التي يهدي إليها العقل مسترشداً بالعادات والتجارب، فإننا لا نوافق الطوفي على أن المصلحة بهذا المعنى أمر حقيقي في نفسه، لا يختلف فيه، حتى تكون سبباً للاتفاق المطلوب شرعاً".

ودليلنا على ذلك الواقع المشاهد، فقد رأينا العقول التي لا تصدر في أحكامها عن هدي السماء تختلف في أصل المصالح والمفاسد، بل ومع اتفاقهم على أن الأمر مصلحة ومفسدة، يختلفون في الأحكام الجزئية التي تحصل هذه المصالح وتدفع


١ انظر: المصدر السابق ص ٢١٤.
٢ انظر: نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص ٥٦٢ مع تصرف واختصار.

<<  <   >  >>